عرفنا تترات عظيمة لمسلسلات شهيرة في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت قطعا فنية في حد ذاتها إذا ما انفصلت عن المسلسل.. تترات أبدعها عمار الشريعي وعمر خيرت وميشيل المصري وياسر عبد الرحمن، وكتب كلماتها عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم، “رأفت الهجان” و”ليالي الحلمية” و”بوابة الحلواني” و”أرابيسك” و”ضمير أبلة حكمت” و”ذئاب الجبل” و” المال والبنون” و”زيزينيا” و”ريا وسكينة”، مقطوعات تستمتع إليها كـ”تراكات” وحدها، لكنها أيضا تستدعي المسلسل وذكرياته وظروف مشاهدته وحالتك وقتها، بما يجعل التتر أعظم عنوان للعمل الدرامي.
وفي السنوات الماضية، وبسبب الإعلانات (اللهم زد وبارك!)، أصبحت مشاهدة المسلسلات جحيما حقيقيا يحتاج إلى ذوي البأس والصبر والاحتمال، لمتابعة العمل على شاشات القنوات، وبسبب هذه الطريقة في عرض الإعلانات، وضياع مقدمة العمل، لم تعد التترات مهمة عند صناع الدراما، وفي ذلك تراجعت جودة التترات كلمات وألحان، فما المهم في مقدمة ونهاية لن يراها أحد؟
مع ظهور منصات المشاهدة التي أنقذتنا من كم الإعلانات الرهيب، التي تقطع المسلسل إلى وحدات زمنية يصعب معها الإمساك بالأحداث أصلا، تعودنا فيما يبدو على تخطي المقدمة، وأصبح هذا “الأوبشن” خيارا دائما لدى أغلبنا!
هذا العام أرى أن الأمر اختلف، وعاد التتر إلى صدارة اهتمام صناع المسلسلات، لدينا تترا رائعا لـ”جزيرة غمام” أبدعه الشاعر الكبير سليل الشعراء الكبار إبراهيم عبد الفتاح، في توأمة فنية مخلصة مع الملحن المدهش شادي مؤنس، الذي وضع أيضا الموسيقى التصويرية للعمل، مستفيدا من التراث الشعبي الجنوبي وآلاته مثل الربابة والكولة والمزمار مع “تاتش” غربي ساحر، بصوت النجم الكبير علي الحجار، ولدينا تتر “المشوار” بمقطوعة موسيقية ساحرة للفنانة السورية ليال وطفة، جعلت من التتر شخصية حقيقة من شخصيات العمل، وتتر “أمل فاتن حربي” بـلحن معبر للفنان أحمد العدل وكلمات الشاعر الكبير مدحت العدل وصوت أنغام، وتتر “راجعين يا هوا” ألحان عزيز الشافعي وصوت مدحت صالح وكلمات تامر حسين.
أتمنى ألا تكون تترات هذا العام “فلتة”، وإنما إعتراف بقوة المقدمة في العمل الدرامي، وأن يديم الله علينا نعمة منصات المشاهدة بلا إعلانات، فقط علينا أن نتخطى المقدمات.