كنوز | 44 عامًا على استشهاد يوسف السباعى وعملية مطار «لارنكا» القبرصى

تغطية «الأخبار» لعملية اغتيال يوسف السباعى
تغطية «الأخبار» لعملية اغتيال يوسف السباعى

فى الحادية عشرة من صباح السبت الموافق 18 فبراير 1978 نزل الوزير يوسف السباعى من غرفته بالطابق الخامس بفندق «هيلتون» بالعاصمة القبرصية «نيقوسيا» متوجهاً إلى قاعة المؤتمرات بالطابق الأرضى المنعقد بها مؤتمر «التضامن الأفرو أسيوى السادس» الذى يشارك فيه السباعى على رأس وفد مصرى بصفته أمين عام منظمة التضامن الأفريقى الآسيوى.

وينعقد المؤتمر برئاسة د.«فاسوس ليساريدس» نائب سكرتير المنظمة ورئيس الحزب الاشتراكى القبرصى، لم يدخل السباعى إلى القاعة مباشرة، توقف أمام منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور للقاعة وأخذ يتفقد عناوين صحف الصباح، فجأة انشقت الأرض وظهر شخصان يطلقان رصاصات الغدر والخسة عليه.

أصابته منها 3 رصاصات أودت باستشهاده عن عمر يناهز 60 عاما، وبعد عملية الاغتيال احتجز القاتلان نحو ثلاثين من أعضاء الوفود المشاركين فى المؤتمر كرهائن فى كافيتريا الفندق، مهددين بتصفيتهم جميعا ما لم توفر لهما السلطات القبرصية طائرة تنقلهم مع الرهائن إلى خارج البلاد، استجابت قبرص وتقرر إقلاعهم على طائرة من طراز DC8 من مطار «لارنكا» الدولى، وأطلق القاتلان سراح بعض الرهائن واحتجزا إحدى عشرة رهينة من بينهم أربعة مصريين، أقلعت بهم الطائرة من قبرص.

لكن ليبيا وسوريا واليمن الجنوبى رفضوا هبوطها على أراضيهم، فقامت بهبوط اضطرارى فى «جيبوتى» ثم عادت إلى مطار «لارنكا»، وتضاربت الأنباء عندما أعلن فى البداية أن القاتلين فلسطينيان واتضح فيما بعد أن أحدهما فلسطينى والآخر عراقى ونفت منظمة التحرير الفلسطينية علاقتها بالحادث، وكانت قبرص فى هذا التوقيت مرتعا لأجهزة المخابرات الأجنبية، ولهذا تم تحذير الشهيد يوسف السباعى من عقد المؤتمر بقبرص وتم اقتراح عقده فى موسكو أو برلين لتوفر الحماية، وكتب موسى صبرى مقالا فى جريدة «الأخبار» بعد عملية الاغتيال بعنوان «قلنا له.. لا تسافر»، لكن السباعى لم يلتفت لكل النصائح وقال: «لا أريد أن يقولوا إن يوسف السباعى جَبُن، ولا يريد أن يحضر لا.. سأذهب».

والغريب أنه سبق له أن كتب: «بينى وبين الموت خطوة، سأخطوها إليه أو سيخطوها إليَّ،  فما أظن جسدى الواهن بقادرٍ على أن يخطو إليه، أيها الموت العزيز اقترب،  فقد طالت إليك لهفتى، وطال إليك اشتياقى»، وهو من كتب فى «طائر بين المحيطين» عام 1971 : « ماذا سيكون تأثير الموت عليَّ وعلى الآخرين ؟ لا شيء،  ستنشر الصحافة نبأ موتى، كخبر مثير ليس لأنى مت، بل لأن موتى سيقترن بحادثة مثيرة»!.
تلقى المصريون نبأ اغتيال الشهيد يوسف السباعى بصدمة شديدة وقفزت الأسئلة عن هوية مرتكبى الجريمة، وفى يوم 19 فبراير 1978 أقيمت مراسم الجنازة الرسمية والشعبية للشهيد يوسف السباعى التى لم يحضرها الرئيس السادات وأناب عنه نائب رئيس الجمهورية محمد حسنى مبارك ووزير الدفاع محمد عبد الغنى الجمسى، وشهدت الجنازة ردود أفعال شعبية ورسمية ضد منظمة التحرير الفلسطينية وجماعة «أبو نضال» الملقبة بدليفرى الإرهاب الدولى، ولم يتأخر السادات فى الرد على جريمة الاغتيال فأرسل فى اليوم التالى طائرة تقل مجموعة مختارة من رجال الصاعقة إلى قبرص بغرض القبض على القاتلين وتحرير الرهائن المحتجزين على متن الطائرة القبرصية.


طلب قائد الطائرة المصرية فى السادسة مساء رخصة للهبوط فى مطار «لارنكا» القبرصى الدولى قائلا إن على متن الطائرة وزير مصرى حضر خصيصاً للتفاوض مع القاتلين، وعندما حطت الطائرة على أرض المطار هبط أحد جنود الصاعقة للاستطلاع وسرعان ما تأكد للقبارصة أن على متن الطائرة وحدة صاعقة مصرية مجهزة بالأسلحة وحذرت الحكومة القبرصية القوات المصرية من مهاجمة طائرة الرهائن بحجة أنها توصلت لاتفاق مع القاتلين لإطلاق سراح الرهائن مقابل الحصول على جوازات سفر قبرصية.

ولم تستجب القوات المصرية للتحذيرات وأعطى قائد القوة أوامره بالهجوم الشامل على الطائرة، فهجمت قوات الحرس الوطنى القبرصى على قوات الصاعقة ودارت بينهما معركة استمرت نحو خمسين دقيقة أسفرت عن احتراق الطائرة العسكرية المصرية، واستشهاد خمسة عشر من رجال الصاعقة، وجرح أكثر من ثمانين مصاباً من الطرفين وتم القبض على من تبقى من قوات الصاعقة المصرية، وترددت أنباء وقتها تفيد بأن أفراداً من منظمة التحرير الفلسطينية قاتلوا إلى جوار القوات القبرصية!


طلب رئيس الوزراء ممدوح سالم من د.بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية السفر لقبرص للتفاوض من أجل استعادة رجال الصاعقة المعتقلين والعودة بجثث الشهداء، وتمت المهمة وبعد أن تحركت الطائرة التى تقل د. بطرس غالى ورجال الصاعقة بدقائق معدودة من مطار « لارنكا » القبرصى أعلنت مصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قبرص وسحب اعترافها بالرئيس القبرصى « كابرينو» واستدعاء بعثتها الدبلوماسية من قبرص، وبالمثل سحبت الحكومة القبرصية بعثتها الدبلوماسية من القاهرة.

وتم استقبال رجال الصاعقة فى مطار القاهرة استقبال الأبطال وتكريمهم ومنحهم الأوسمة وأقيمت جنازة شعبية لضحايا الحادث شارك فيها الرئيس السادات، وأشادت وسائل الإعلام المصرية بنجاح مهمة الصاعقة وروت قصصاً عن بطولاتهم، بينما رأى أغلب المحللين أن العملية فشلت وأن هذه الضجة الإعلامية ليست إلا نوعا من التغطية على الخطأ الجسيم، الذى ارتكبه الرئيس السادات بإرسال قوات الصاعقة دون إذن السلطات القبرصية، وفى التاسع من شهر مارس 1978 بدأت محاكمة قاتلى يوسف السباعى.

وهما « زيد حسين على وسمير محمد خضير » أمام المحكمة القبرصية، وترأس الجلسة المدعى العام القبرصى، وحضرها فريق من المراقبين المصريين برئاسة المدعى العام المصرى عدلى حسين، وبرر القتلة ارتكاب الجريمة بأن يوسف السباعى كانت له آراء معادية للقضية الفلسطينية وذهب مرافقا للرئيس السادات أثناء رحلته إلى العدو الإسرائيلى فى تل أبيب، وفى الرابع من أبريل حكمت المحكمة على القتلة بعقوبة الإعدام وبعد عدة أشهر أصدر الرئيس القبرصى « سيبروس كابرينو» قراراً رئاسياً بتخفيف الحكم عليهما إلى السجن مدى الحياة لأسباب غير معروفة، قيل إنها تتعلق بأمن قبرص!.


>>>


ولد الشهيد يوسف السباعى فى 10 يونيو 1917 بالدرب الأحمر، حصل على البكالوريا من مدرسة شبرا الثانوية 1935، تخرج فى الكلية الحربية 1937 وعمل مدرسا بها، وتولى عام 1952 إدارة المتحف الحربى، تولى بعد تقاعده من الخدمة العسكرية عددًا كبيرًا من المناصب، من بينها: منصب السكرتير العام لمؤتمر الوحدة الأفروأسيوية، ورئاسة تحرير «آخر ساعة»، ورئاسة تحرير «الرسالة الجديدة»، وانتخب سكرتيراً عاماً لمؤتمر شعوب أسيا وأفريقيا اللاتينية، ونال رئاسة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وترأس مجلس إدارة «دار الهلال»، واختير وزيرا للثقافة 1973.

وترأس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وترأس أيضا مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام»، وانتخب نقيبًا للصحفيين 1977، ومن أشهر أعماله الروائية : «نائب عزرائيل - السقا مات - طريق العودة - نحن لا نزرع الشوك - من العالم المجهول - مبكى العشاق - هذا هو الحب - لست وحدك»، وقد وصفه توفيق الحكيم برائد الأمن الثقافى، لدوره فى إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ونادى القصة وجمعية الأدباء.

إقرأ أيضاً|إبداع سيدة يمكنها من تحقيق ثروة بلوحات رقمية