لم أتشرف بلقاء المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فقط تقابلنا بالمصافحة في عزاء أو مناسبة.

لا أنكر عليه دوره في حركة استقلال القضاء في عهد مبارك، بل أقدره له، ولا أجحده في سلامة ذمة، أو نزاهة.

لكن بنفس الصراحة أقول إنني لم ألمس في تصريحاته بعد ثورة ٣٠ يونيو وإلي الآن، ما ينم عن نية في محاربة فساد، بقدر ما هو رغبة في الإساءة إلى نظام!

مع ذلك، تقبلت تصريحاته السابقة واعتبرتها دليلا على استقلال الجهاز عن السلطة التنفيذية. لكن تصريحه الأخير عن حجم الفساد الذي قدره بنحو 600 مليار جنيه في عام واحد هو ٢٠١٥، ثم عدوله عن هذه المدة وتوسيعها إلى ثلاث سنوات من (٢٠١٢ - ٢٠١٥) أثار ارتيابي أكثر مما أثار دهشتي!

وعندما طالعت تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الدراسة التي أعدتها لجنة من ١٤ عضوا بالجهاز شكلها المستشار جنينة، واستمعت إلي عدد من أعضاء اللجنة، وقرأت عن نماذج مضحكة لحالات الفساد، واعتبار دعم البنزين (٨٠) وتقسيط قروض الإسكان من أشكال الفساد، تشككت في النوايا وراء هذه الدراسة، لا سيما أن أخطاء فادحة شابت الأرقام والبيانات وتكرار حصرها وتجميعها.

ومع ذلك، فلو كان هناك مليون واحد من الجنيهات، من بين الرقم الأسطوري الذي خلصت إليه دراسة المستشار جنينة تشوبه شبهة فساد، فلابد من البحث وراءه وكشف المتسبب في إهداره.

أقول إن هناك أزمة ثقة نشأت بين المستشار جنينة ومؤسسات الدولة بما فيها أجهزة رقابية أخري، وكذلك البرلمان، وامتدت إلى قطاعات من الرأي العام، وأخشى أن تلحق بالجهاز المركزي للمحاسبات نفسه وتقدح في دوره الوطني الذي لا غني عنه في كشف المخالفات وحماية المال العام.

لست أظن أن الحل هو استخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته بإعفاء المستشار جنينة من منصبه، حتى لا تكون سابقة، تؤدي فيما بعد لانتقال عدوي الأيدي المرتعشة إلي من يتولون هذا المنصب الخطير في المستقبل أو كبار مسئولي الجهاز.

ولست أظن أيضا أن الحل هو إحالة المستشار جنينة للنيابة، فنجد من يصور الأمر على أنه «تنكيل» برجل يحارب الفساد، بينما هناك فاسدون ينعمون بالحرية.

ولا أظن التجريس الإعلامي هو الوسيلة المثلى للرد على بيانات وصفها تقرير لجنة تقصي الحقائق بالمضللة واعتبرها تنطوي على إساءة متعمدة، وأرى أن البرلمان المنتخب من الشعب هو وحده الجهة المنوط بها المساءلة والمحاسبة.

وكنت أتمنى لو سارع المستشار جنينة بالرد على تقرير لجنة التقصي، بدلا من الإدلاء بتصريح مستفز يقول فيه انه سيرد بعد يوم ٢٥ يناير، وكأنما رده لو صدر قبل ذلك اليوم سيقلب الجماهير ويدفعها دفعا إلى الثورة!

لو كان لي أن أقترح على المستشار جنينة مخرجا، لقلت له: من أجل صون كرامة الجهاز الذي تتولى رئاسته، ومن أجل رأي عام تزعزعت ثقته في مقاصد رئيس الجهاز الحالي ومن أجل قطع الطريق على فاسدين سيجدون في تلك الدراسة تكئة للطعن في تقارير أخرى سليمة القصد نحو حماية المال العام يصدرها الجهاز، من أجل ذلك كله.. استقل!