سريعاً جرت عبارة «نرفق ونحنو»، علي لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو يحادث بالأمس الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، عن أحوال قرابة مليون مواطن مصري يعيشون في بيوت من صفيح أو في خيام، أو يسكنون في منازل معرضة في أي لحظة للانهيار من فوق حافة تل أو هضبة أو مهددة بصخور تتأهب للسقوط عليها عند سفح جبل أو مرتفع.
14 مليار جنيه هي تكلفة إنشاء منازل جديدة تستوعب هؤلاء البسطاء، في مناطق ملاصقة لنحو 350 منطقة عشوائية خطرة يقيمون فيها معظمها بالقاهرة الكبري.
مع ضغط الجدول الزمني لتشييد المساكن البديلة اللائقة، قال وزير الإسكان إنه سيتم إنجاز المشروع في ثلاث سنوات، لكن الرئيس قال: لابد أن ينتهي في عامين.
ثم أشار إلي الصور المعروضة للمناطق العشوائية علي الشاشة أمامه، وقال: «كيف نترك بلدنا هكذا، وكيف نترك أهلنا يعيشون في هذه الحال، وكيف يليق بنا أن نعيش إلا أن نجعل هذه المناطق تليق بمصر وأهلها!!
ثم عدد الرئيس أسماء وأماكن مناطق عشوائية قائلا لسكانها: «لن نترككم أبدا، وسنفي بوعدنا ونوفر المسكن المناسب لكم ونغير شكل حياتكم».
ونظر إلي وزير الإسكان وهو يقول: «لابد أن يتم كل هذا في سنتين، حتي نري هل كنا مترفقين بأهلنا ونحنو عليهم أم لا؟
< < <
أول مرة سمعنا هذا التعبير، كان علي لسان الفريق أول عبدالفتاح السيسي منذ ثلاث سنوات إلا أسابيع، في قلب بركان ثورة يونيو، حينما قال: «إن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه».
أظن السيسي ما استجاب لنداء الشعب بخوض انتخابات الرئاسة إلا حين رآه في عيون البسطاء، وأحسبه ما قبل هموم المسئولية وأعباءها إلا لأنه رآها سبيلا لتحسين حياة أهله وناسه من أبناء هذا الشعب الصابر.
< < <
إذن.. مليون مصري تباعا، في غضون عامين سينامون لأول مرة تحت أسقف وداخل أبواب تسترهم ومساكن لائقة تحفظ لحمهم وكرامتهم. بل في هذا العام، ستخلو الغردقة وبورسعيد نهائيا من مساكن العشش وبيوت الصفيح.
المليارات الأربعة عشر المطلوبة لإسكان المليون مواطن من قاطني العشوائيات الخطرة ستوفر الدولة الجانب الأكبر منها، الباقي له حلول طرح منها الرئيس السيسي فرض رسم نسبته ١٪ علي قطع أراضي الفيلات وغيرها، مشيرا إلي أن من يدفع مليون جنيه ثمنا لقطعة أرض لن يضلعه أن يدفع ١٠ آلاف جنيه إضافية، واقترح الرئيس استحداث ضريبة تمغة باسم «تمغة التكافل» لهذا الغرض، موضحا أنه خصص مليار جنيه من صندوق «تحيا مصر» لمشروع القضاء علي العشوائيات.
< < <
غير هذا المليون مواطن، ستتسلم ٦٥٦ ألف أسرة مصرية من محدودي الدخل وحديثي الزواج، أي نحو ٣ ملايين مواطن مصري شققهم في ٢٤ محافظة مصرية حتي نهاية يونيو من العام المقبل في إطار مشروع الإسكان الاجتماعي.
خلال عام من الآن سيجد هؤلاء الملايين الثلاثة شققا بمساحة ٩٠ متراً مربعاً لكل وحدة، مكونة من ٣ غرف وصالة، بتشطيب مميز، وواجهات جذابة للعمارات، مع خدمات كاملة من مدارس ووحدات صحية ودور عبادة ومجمع للتسوق وملاعب.
مقدم الشقة ٩ آلاف جنيه، وإجمالي المبلغ المطلوب سداده بما فيه المقدم عند تسلم الشقة في حدود ٢٢ ألف جنيه، والقسط الشهري يبلغ ٥٦٠ جنيها للشاب في حدود سن الثلاثين، يقل القسط كلما قل السن، ويزداد بزيادته. المبلغ المطلوب شهريا أقل من ثمن إيجار أي شقة أصغر مساحة وأقل مستوي.
في فبراير الماضي، أي منذ شهرين، كان حجم المشروع ٢٥٦ ألف وحدة تسلم بنهاية العام، لكن الرئيس أضاف إليها ٤٠٠ ألف وحدة سكنية جديدة وطلب الانتهاء من تسليمها قبل نهاية يونيو من العام المقبل، ليصل إجمالي عدد الشقق إلي ٦٥٦ ألف وحدة تكلفتها ٩٧ مليار جنيه، تتولي الإشراف علي جزء منها وزارة الإسكان والجزء الآخر الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتتولي تشييدها ٥٠٠ شركة مصرية خاصة وعامة، ويوفر المشروع ٧٢٠ ألف فرصة عمل مباشرة، بالإضافة إلي مليوني فرصة عمل غير مباشرة في الحرف المغذية لصناعة التشييد.
حتي أمس.. كما ذكر الوزير الهمام مصطفي مدبولي، سحب ٤٥٤ ألف مواطن كراسات شراء الوحدات، وسدد ٧٠ ألفا منهم المقدمات في أول سبعة أيام.
وشدد الرئيس علي أنه لو تقدم ٨٠٠ ألف مواطن للحصول علي الشقق، فلابد أن يحصلوا عليها.
إذن بنهاية العام المقبل قد يرتفع عدد الوحدات السكنية المسلمة في مشروع الإسكان الاجتماعي إلي ٨٠٠ ألف شقة يقطنها نحو ٤ ملايين من المواطنين الشباب ومحدودي الدخل.
فإذا عرفنا أن أعلي معدل وصلنا إليه في بناء الشقق خلال أكثر من ٦٠ عاما مضت بلغ ٦٠ ألف شقة سنويا، لأدركنا حجم هذا المشروع الذي يصل معدل الإنجاز به إلي ١١ مثل ذلك الرقم القياسي في العقد الأول من القرن الجديد، وقد يصل إلي ١٤ مثل هذا الرقم لو اتسع حجم مشروع الإسكان الاجتماعي ليشمل أكثر من ٨٠٠ ألف شقة.
< < <
ليست المسألة سكناً فقط، لتحسين حياة المواطنين، إنما معها كوب ماء نظيف، وصرف صحي (بالفعل لا بالاسم)، ومستشفيات مجهزة، ومدارس لائقة، وسكك حديدية متطورة، وطرق لا تزهق الأرواح أو تبدد الأعمار هدراً في زحامها.
عن كل هذا.. شاهدنا إنجازات هائلة تمت أو يجري الانتهاء منها في منظومة متكاملة شاركت فيها أجهزة الدولة المدنية والعسكرية معاً.
في غضون عامين.. تم الانتهاء من ٤٢٤ مشروعا لتوفير المياه النقية وخدمات الصرف الصحي منها ٢٠٦ مشروعات في القري بتكلفة إجمالية ٢٤ مليار جنيه.
وفي مجال الطرق.. كما أوضح اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية تم الانتهاء من ٦٤ طريقا وتطوير ١٥ طريقا بإجمالي أطوال يزيد عن ٥٥٠٠ كيلومتر، ويجري العمل في إنشاء وتطوير ٤٩ طريقاً بأطوال إجمالية ٣٣٦٠ كليومتراً أي قرابة ٣٠٪ من حجم الطرق التي تم إنشاؤها في البلاد علي مر تاريخها.
وتم إنشاء ١٣٥ كوبري ونفقاً ويجري الانتهاء من ٤٦ آخرين بحلول نهاية الشهر المقبل.
أما في مجالي الصحة والتعليم.. فقد تم إنشاء ١٨٦ مستشفي ووحدة صحية ويجري الانتهاء من ١٩ مستشفي، وتم إنشاء وتطوير ٢٩٩ مدرسة ومعهداً، ويجري إنجاز ١٤١ مدرسة و٦ جامعات، بخلاف النوادي ومراكز الشباب.
هناك أيضا مشروعات كبري غير المشروعات العملاقة التي أنجزت أو يجري تشييدها، منها ٥ موانئ و٦ مطارات.
ولأول مرة.. سمعنا الرئيس يتحدث أمس عن إنشاء مدينتين غرب النيل في مواجهة المنيا وأسيوط بنفس مستوي العاصمة الإدارية الجديدة.
وسمعنا الدكتور جلال سعيد وزير النقل يتحدث عن مشروع طموح لتطوير السكك الحديدية وإحداث نقلة في هذا المرفق الحيوي الذي طالته يد الإهمال رغم أنه ثاني أقدم خط حديدي في العالم.
وعرفنا أنه يجري تطوير أكثر من ١١٠٠ مزلقان حتي نهاية العام المقبل وتطوير نظم الإشارات في عدد مماثل منها لتجنب الحوادث الدامية التي تكررت خلال السنوات الماضية، كذلك تحديث أسطول العربات بعد أن تم توريد ١٢٤ عربة قطار والاتفاق علي توريد ١٠٨ عربات جديدة، كلها صنعت في مصر في مصنع «سيماف» التابع للهيئة العربية للتصنيع، بجانب تطوير ٢٣٤٥ عربة وإضافة ٧٠٠ عربة للدرجات الثانية والثالثة. كما يجري تجديد وصيانة ٧٠٠ كيلومتر من الخطوط الحديدية وسيتم الانتهاء منها خلال عامين.
الملاحظة التي أبداها الرئيس هنا.. كانت ضرورة تنظيم اقتصاديات المرفق حتي يسدد القروض التي يحصل عليها للتحديث والتطوير، خاصة بعدما أشار الوزير إلي أن الإيرادات تقل عن نصف المصروفات المباشرة للتشغيل.
< < <
بدا الرئيس السيسي وهو يستمع أمس إلي عرض الوزراء واللواء كامل الوزير ملما بجوانب كل مشروع، ومتابعاً لأدق التفاصيل. واستوقفه أمران.. أولهما تكلفة الطريق من بلبيس إلي طريق الإسكندرية الصحراوي بطول ٩٠ كيلومترا والبالغة ٨ مليارات جنيه، وطلب إعادة عرض التفاصيل عليه بما فيها تكلفة الكباري والأعمال الصناعية ونزع ملكية الأراضي، مشيراً إلي ضخامة المبلغ. أما ثانيهما فهو حجم التعديات علي أراضي مشروع المليون ونصف المليون فدان، وطلب في هذا الصدد أن تتولي القوات المسلحة والشرطة تنفيذ القانون وإزالة التعديات عليها وعلي جوانب الطرق الجديدة.
وفي إشارة لا تخفي علي كل ذي عينين، ألمح الرئيس إلي الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية دون أن يشير إليها صراحة، مؤكدا علي أمرين:
ـ إن كل مؤسسات الدولة وأطياف المجتمع لا يجب أن يكون بينها أي اختلاف لأن مصلحتنا جميعا واحدة، وهدفنا واحد هو إعلاء شأن الوطن.
ـ إن علينا أن نتجاوز أي أمر مختلف عليه، وأن القانون يسري علي الجميع دون مجاملة بداية من مؤسسة الرئاسة، وكل فرد أو مؤسسة يحصل علي حقه بما يرضي الله والقانون.
< < <
في هذا الاحتفال الذي تضمن افتتاح ٣٢ مشروعاً في مجال الإسكان والخدمات والبنية الأساسية، بدا الرجل الذي يسابق الزمن سعيداً، لأن الإيقاع في الإنجاز يواكب ـ أو يكاد ـ ما يريده لبلده وناسه، لذا وجه الشكر صراحة لرئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل ومعاونيه من الوزراء المختصين وللقائد العام الفريق أول صدقي صبحي ولرئيس الأركان الفريق محمود حجازي ولرئيس الهيئة الهندسية اللواء كامل الوزير، ولكل السواعد المصرية التي حققت كل هذه الإنجازات.
يوم أمس.. أظن أبناء هذا البلد، ردوا علي عبارة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، قائلين للرئيس السيسي: «أخيراً.. وجدنا من يحنو علينا ويرفق بنا».