أحد أبرز نجوم مدرسة أخبار اليوم وصاحب بصمـــــــة فى تاريخها

ياسر رزق.. رحيل فـــارس الورقة والقلم

رحيل ياسر رزق
رحيل ياسر رزق

حسن حافظ

تبكى الكلمات من يكتبها بصدق، ومن يدافع عما يعتقد بقوة، ومن يعشق المهنة حتى يذوب فيها. كان رحيل ياسر رزق صدمة، ليس لأنه أكبر من الموت، ولكن لأنه موهوب، ولأنه صحفى كما يقول الكتاب، ولأنه مهنى إلى أبعد الحدود، فهو صاحب تجارب صحفية كانت محل احتفاء، وصاحب موقف محل اختلاف لكن مغلف بالاحترام وشرف الخصومة، ورجل المواقف الإنسانية التى زينت مسيرته بسيرة عطرة تعرفها القلوب وتعجز عنها الألسن بالبوح، والنقابى المدافع عن المهنة فى أزمنة صعبة، فكان من أبناء صاحبة الجلالة القلائل الذين يستحقون أن ترتدى عليهم ثوب الحداد، وتودعه المهنة بدمعة حزن على رحيل تجربة من أنجح التجارب فى العقود الأخيرة. نودع ياسر رزق بكثير من الألم لأن رحيله يوجع كما هو الحال عندما نودع الموهبة دومًا.

لا يمكن حصر ياسر رزق فى صورة واحدة، أو وجه واحد من أوجه موهبته، فالرجل فارس من فرسان الكلمة، وصاحب مواقف ظل يدافع عنها ولم يغيرها رغم تغير الأنظمة وتقلب الأحوال، والنقابى الفارس المدافع عن مكانة المهنة وحصنها النقابى من أن يمس، ورئيس التحرير الناجح فى كل مكان تولاه، والذى ترك بصمة هنا وهناك شاهدة على قدرة فذة على الإدارة وخلق مناخ يساعد على الإبداع لكل من يعمل معه، لذا لم يكن غريباً أن يحظى ياسر رزق فى حياته بكل هذا الحب من عموم الصحفيين، الذين يقدرون موهبته وتجربته، وأخلاقه الرفيعة وتمسكه بشرف الخصومة، امتلاكه للمعلومة وقدرته على توظيفها، جهاده من أجل مصلحة مؤسسة أخبار اليوم، التى كان يعتبرها بيته وأمه وسكنه، فلم تغادر فكره يوما ولم تغب عن باله فى لحظة، فظل مهموما بمشاكل المؤسسة يسعى لحلها حتى ولو كان قلبه يشتكى من الألم.

رزق الذى ولد فى 17 نوفمبر 1965، بدأ مشواره الصحفى من دار أخبار اليوم، المؤسسة التى ارتبط بها على الدوام، حتى قبل أن يتخرج فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1986، وعمل محررا عسكريا فى االأخبارب، ثم تولى رئاسة القسم العسكرى العام 1995، ثم مندوبا للصحيفة فى رئاسة الجمهورية 1999، ثم بدأت مرحلة التألق فى حياته المهنية، عندما تولى رئاسة تحرير مجلة االإذاعة والتليفزيونب فى 2005، لينقل المجلة إلى مرحلة من النجاح المدوي، ليعود منها إلى مؤسسة أخبار اليوم، ليتولى رئاسة تحرير صحيفة االأخبارب فى 18 يناير 2011، أى قبل ثورة يناير بأسبوع، وكان أمامه التحدى الأكبر فى تغطية أحداث الثورة، ونجح فى التحدى وحول صفحات الصحيفة إلى هايد بارك مصرى حقيقي، فكل التيارات والأصوات ممثلة، وكل ما يجرى فى الشارع موجود فى صفحات االأخبارب، وهو نجاح تمت ترجمته لطفرة فى توزيع االأخبارب، فكان هذا أكبر تقدير وتكريم حصل عليه رزق فى حياته كلها، تكريم جمهور القراء.

ولأن ياسر رزق أدرك مبكرًا خطر جماعة االإخوانب الإرهابية على مستقبل الدولة المصرية، وأن هذه الجماعة لن تجر مصر إلا للخراب، لذا انطلق قلمه يحذر من خطر الإخوان، فردت الجماعة فى لحظة تمكينها بإقصائه من رئاسة تحرير الأخبار، فذهب إلى رئاسة تحرير صحيفة االمصرى اليومب، فى 2012، وظل فى هذا المنصب لمدة 15 شهرا، حقق خلالها الكثير من النجاح عبر الانفرادات المهمة، واختتم رزق مشواره الصحفى فى مؤسسته الحبيبة، إذ عاد لتولى رئاسة مجلس إدارة أخبار اليوم فى 2014 وحتى 2020، وخلال فترة توليه دفة المؤسسة أخلص فى جهوده لحل مشاكلها المالية والإدارية، وسعى لتوفير الدعم المادى لها عبر الكثير من الحلول المبتكرة، التى لا تخرج إلا من عقل عاشق لبيته الصحفي.  

الدور النقابى كان أحد أبرز المحطات فى مسيرة رزق الحافلة، فالرجل الذى حظى بتأييد جموع الصحفيين لكى يظل عضوا بمجلس النقابة على مدار 12 عاما، كان على قدر المسؤولية، فكانت مواقفه منذ البداية إلى النهاية منحازة بصراحة إلى الجماعة الصحفية وحقوقها، يدافع بشراسة عن حقوق الصحفيين، ورفض المساس بالكيان النقابى وجره إلى خلافات سياسية، وتعلم أجيال من الصحفيين الجهود التى بذلها رزق لتوفير الكــثير مـن الخـدمـــات المستحقـــة لعـمـــوم الصحفيين.

كانت المحطة الأخيرة لياسر رزق، هى محطة الشهادة، كتابة شهادته على الأحداث الملتهبة التى شهدتها مصر منذ ثورة يناير 2011 حتى ثورة يونيو 2013، وما جرتها من أحداث سبقتها فمهدت لكل ما جرى، وأعقبتها فكانت الخلاصة الكاشفة لكل ما سبق، أطلق فارس الورقة والقلم العنان لفارس المعلومة، كشف الكثير عما شاهد وعرف وسجل من أحداث كان قريبا من صناعتها خلف الكواليس، وأطلق على شهادته سنوات الخماسين، بما يحمله الأخير من معانى عدم الاستقرار وغياب وضوح الرؤية، وهو يعترف أن ما يقوله شهادة ضمن شهادات عاصرت الأحداث، إذ يقول فى مقدمة الكتاب: الست أزعم أننى أحتكر الحقيقة، أو أننى أمتلك كل جوانب الموضوع... لست أدعى فيما أكتب حيادًا، لكنى أزعم أننى كنت أتوخى الموضوعية قدر ما أستطيع.

وهو يقدم شهادته اكشاهد على محطات حاسمة ووقائع مفصلية، بعضها معلوم لقلة، وعلى مواقف فارقة معظمها فى طى الكتمان، عشتها وتابعتها رأى العين، من غير حاجة لأن أعيانها بأنظار آخرينب، ليكشف لنا بكل وضوح من يملك المعلومة.

كان يفترض أن يكون رياح الخماسين هو الجزء الأول من شهادة ياسر رزق التى تصدر فى ثلاثة أجزاء تباعا تحت اسم االجمهورية الثانيةب، إذ يرى أن الأحداث التى يتصدى لتدوينها والتى بدأت بثورة 25 يناير 2011، أسقطت الجمهورية الأولى التى قامت يوم 18 يونيو 1953، لكن القدر وضع كلمة النهاية مبكرًا، فالكتاب الذى ظهر إلى الوجود نهاية العام الماضي، ونفدت طبعته الأولى سريعا، لم يستمتع صاحبه بظهور الطبعة الثانية، فالموت غيبه، ولم يتركه لنا لكى يستكمل شهادته المهمة والكاشفة بقلم صحفى كبير أخلص فى حب مصر وعاش من أجلها ومات فى ترابها.