»‬أثق أن قادة الدولة الآن وفي مقدمتهم الرئيس سوف يزدادون ثقة بالمستقبل وبإمكانيات مصر، حيث البوصلة الحقيقية للتقدم هنا..» في قاعة أنيقة، كل ما فيها يمت إلي العصر، بدأ لقائي مع مجموعة من الشباب الذين يمثلون عصب جهاز التدريس والبحث بمعهد تكنولوجيا المعلومات بالقرية الذكية، د.  هبة صالح رئيسة المعهد وعدد من مستشاري وزير الاتصالات د.  عاطف حلمي. دعتهم جميعا وهذا سلوك عالم محترم يقدر كفاءة الآخرين، كان بوسعي رصد العلاقة الرفيعة بين الاساتذة وعميدتهم، الزمالة القائمة علي التكامل وليس الرئيس والمرؤوسين، وليت هذه القيمة تتركز وتنتشر في سائر المؤسسات المصرية التي يسود فيها التركيز علي الفرد، واذا ما لمع ونبغ احد اعضاء الصف الثاني او الثالث فإنه يتعرض للسحق والقمع الا اذا كان بتاع الوزير او المسئول الاول، أي مملوكه، وهذا من قيم العصر المملوكي. جملة واحدة تمثل عنوان العمل الجماعي العلمي الذي يطبق ويطور احدث علوم العصر، تقول الدكتورة هبة : »‬عاوزين المواطن يعيش مرتاح..» ما العلاقة بين التكنولوجيا المتقدمة وصيد السمك وزراعة الارض وتطوير الاماكن النائية ومساعدة المعاقين؟، هذا ما تجيب عليه برامج المعهد والوزارة التي اعدت لتسهيل شتي جوانب الحياة، أول ما رأيت برنامجا من اعداد الاستاذة هبة فاروق خاصا بمساعدة صيادي الاسماك، لقد اعتاد الصيادين التعامل مع مناطق بعينها في البحر يتجهون اليها تتبعا لمسارات السمك، لكن للاقمار الصناعية قدرات أخري، إنها ترصد حرارة المياه والمناخ وبناء علي تحليل المعلومات يمكن تحديد اماكن تجمعات السمك وابلاغها للصيادين بواسطة الهواتف النقالة، عندئذ يتجه الصيادون مباشرة إلي أماكن تجمع السمك، هيئة الاستشعار عن بعد تشارك في تحليل المعلومات وبالتالي يمكن تحديد أنواع الاسماك، البرنامج مطبق الآن وحقق استجابة رائعة . في مجال الزراعة يقدم خريجو الدفعة رقم اربعة وثلاثين مشروعا لدعم الزراعة من خلال تطوير نموذج الكتروني للارشاد الزراعي يمد الفلاح والجمعيات التعاونية بالبيانات والمعلومات التي تمكنه من زيادة الانتاج السنوي من المحصول، وتم تطبيقه بالفعل في منطقة مشتول السوق وبلبيس بمحافظة الشرقية، ينبه البرنامج الفلاح إلي مواعيد التطعيمات الخاصة بالحيوان في المعاهد البيطرية ومعلومات حول التلقيح الصناعي ومكافحة الأمراض، ومن المتوقع أن يتم تبني هذا التطبيق من قبل هيئة الارشاد البيطري لاستخدامه في مشروع النوبة والطب الحيواني بمحافظة الجيزة، تمتد بحوث  وانشطة المعهد إلي مجال الرعاية الاجتماعية، وتشرف علي هذا المجال الدكتورة عبير شقوير مستشار وزير الاتصالات - المعهد كله يتبع الوزارة- للخدمات المجتمعية، رأيت تجربة قام بها الاستاذ بيشوي جمال الذي ابتكر شريحة يمكنها من خلال المحمول ان تساعدالمكفوفين علي التعرف علي مواصفات البضاعة والاصناف التي يرغب شراءها، قام الباحث بتمرير جهاز الهاتف المحمول علي بعض الاصناف، مثل علب العصير، او الانواع الأخري، بمجرد تمرير المحمول سمعت صوتا ينطق بالمواصفات »‬علبة عصيرمانجو- العبوة كذا- الثمن كذا- شركة الانتاج كذا» بصراحة كنت أتابع ذلك مبهورا، فمازالت التكنولوجيا قادرة علي ابهاري رغم ايماني العميق انه لاحدود لقدرات العلم، واحيانا اتصور لو أن احد القدماء الذين احبهم واعايش اعمالهم قد جاء إلي عصرنا، سأضرب مثالا بالجبرتي الذي عاش منذ حوالي قرنين فقط، لقد دعاه العلماء الفرنسين إلي المجمع العلمي حيث قاموا امامه باجراء تجربة علي ضفدع ميت بواسطة قطبي مغناطيس  يولدان تيارا كهربائيا، عاد الجبرتي مبهورا ليقول في تاريخه، ولهؤلاء القوم افعال لاتستوعبها عقولنا.. لا والله ياعم عبدالرحمن الجبرتي، لقد استوعبتها عقولنا واضفنا اليها، هذا ما يقدمه الشباب الذي يدرس أو يتعلم في هذا المعهد، القرية الذكية كلها قاعدة علمية معاصرة، شارك في تأسيسها الدكتور نبيل النادي وهو ابن عالم الفيزياء الاشهر محمد النادي، خريج الفنية العسكرية التي تخرج فيها ايضا الدكتور عاطف حلمي وزير الاتصالات الحالي، شقيقي اسماعيل تخرج في الكلية الفنية عام ١٩٧١، مازلت أذكر يوم تخرج الدفعة رقم ٨، الخميس الثالث عشر من مايو، آخر ما قام به الفريق اول محمد فوزي القائد العام، احد رجال مصر العظام الذين يرجع اليهم الفضل في اعادة بناء الجيش في اصعب ظروف ممكنة، غير أن السادات اعتقله خلال الانقلاب الذي قام به في مايو وبدأت به اسود سنوات مصر التي مازلنا نعاني آثارها حتي الآن، في ذلك اليوم لاحظت حزنه البليغ ولم  تمض الا ساعات وأذيعت انباء الاستقالات الجماعية من المجموعة المعارضة للسادات، وفي ذلك اليوم أيقنت خطأهم الجسيم، فبمجرد الاعلان عن استقالاتهم فقدوا شرعيتهم، لقد صدقوا الوهم الذي كان اسمه الاتحاد الاشتراكي وظنوا أن الجماهيرستخرج لاعادتهم إلي السلطة، خرجت الجماهير المعبأة سلفا وهم يهتفون »‬افرم افرم ياسادات» وهكذا ظهرت اول ديموقراطية في التاريخ لها أنياب، لم يفهموا خصوصية موقع الرئيس في مصر، لو انهم اذاعوا خبر استقالته لتغير تاريخ مصر، اعرف ان التاريخ ليس فيه »‬لو» ما جري جري، المهم ان نعي حقيقته، هذا مما يطول الحديث فيه، اعود إلي القرية الذكية، لقد عمل شقيقي مستشارا لوزير الاتصالات بعد تقاعده من الجيش الذي وصل فيه إلي رتبة لواء مهندس، وبعدأن درس في معهد العلوم والتكنولوجيا بجامعة هارفارد، كان مبعوثا من الجيش، وخلال تردده علي القرية الذكية قبل تقاعده النهائي منذ عامين، كنت اسمع اسم القرية ويبدو لي غامضا، ماذا يعني وجود قرية ذكية؟ وكيف تكون القرية ذكية، إلي أن دعاني الدكتور فتحي صالح لأشاهد تحويل كتاب »‬الخروج إلي النهار» المعروف خطأ بكتاب الموتي، إلي عرض استخدمت فيه التكنولوجيا الحديثة وقد كتبت عنه مفصلا من  قبل في اليوميات، المبني التابع لمكتبة الاسكندرية الذي يديره الدكتور فتحي صالح ويقوم بتوثيق التراث طبقا للاساليب التكنولوجية الحديثة ليس الا مبني  واحدا من عشرات المباني التي تضم اكثر من اربعين شركة ومؤسسة، شركات اتصالات، معاهد ابحاث، شركات للمعلومات، جامعة النيل بدأت هنا، انني اعجب، كيف يكون  لدينا هذا الصرح ومنذ سنوات طويلة نجري وراء القادم من بعيد الذي أخذ من مصر كل شيئ ولم يقدم لها شيئا علي الاطلاق، اتحدي أي شخص أن يذكر لي اسم محاضرة واحدة القاها احمد زويل في معهد علمي مصري؟، مرة أخري اوجه الاسئلة التي سبق ان وجهتها ولم يجب  احد عنها.> عندما خصص الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الاسبق قصرا اثريا منيفا بجاردن سيتي لجامعة الدكتور احمد زويل، هل خصص القصر للشخصية الاعتبارية للجامعة ام لاسم احمد زويل بحيث يصبح القصر ملكا له ولورثته. • لماذا خص أحمد زويل بذلك ولماذا لم يتم تخصيص مقار من الحكومة لمعاهد أخري؟ . • التبرعات الضخمة لجامعة زويل، إلي أي مصب تصير؟ ما حجمها، كيف تم التصرف فيها؟ أخيرا، لماذا نتبع العادة المصرية التقليدية، »‬الشيخ البعيد سره باتع»، إلي درجة انه لدينا شيخ يقدسه المصريون في الساحل الشمالي اسمه »‬سيدي براني». معهد العلوم والتكنولوجيا  زار معهد العلوم والتكنولوجيا مؤخرا رئيس شركة اي بي ام، وتعتبر اكبر شركة عالمية في مجال المعلومات وتقنياتها، اذكر اول حاسب آلي رأيته في حياتي، كان الاستاذ محمد حسنين هيكل وهو بعيد النظر دائما قد خصص طابقا كاملا لهذا الحاسب في مبني الاهرام الجديد الذي افتتحه الرئيس جمال عبدالناصر عام ١٩٦٩، كان حجم الحاسب في مستوي جرار قطار الصعيد وربما اكبر، رأيت حاسبا آخر في مؤسسة الادوية كان يديره المرحوم الدكتور علي مختار وهو طبيب اصلا لكنه تخصص في احدث علوم العصر، ورأيت في هيئة التأمينات الاجتماعية حاسبا مماثلا وكل هذه الاجهزة كانت من انتاج شركة اي بي إم، هذا الحاسب الذي كان في حجم قاطرة جبارة ويشغل عدة غرف، امكانياته اقل بكثير من الهاتف المحمول الذكي الذي استخدمه الآن، لاحدود للتطور، لاحدود لرحابة التكنولوجيا في شتي مجالات الحياة، رئيس شركة بي اي إم امضي يوما كاملا في المعهد، حاضر لمدة ساعة، ابدي اهتماما شديدا بتطبيقات المعهد العملية، وسأل بدقة عن شتي المجالات التي عمل فيها المعهد خلال السنوات الاربع الماضية، وكان قد التقي بالرئيس، سأل عن جهود المعهد التي تشرف عليهاالدكتورة هدي دحروج لخدمة الاماكن النائية والدكتورة عبير شقوير مستشار الوزير للخدمة المجتمعية خاصة ما تم لخدمة اهالي النوبة وسيوة عما قام به الدكتور هشام هدارة في مجال الزراعة بواسطة تحليل الضوء لتحديد ما يجب ان يزرع، في أي توقيت وكيف؟، مرة أخري اشير الي جهود من اسسوا القرية، الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء الاسبق، الدكتور هشام الشريف، الدكتور طارق كامل، ومن قبل ومن بعد فريق العمل الرائع بمعهد العلوم والتكنولوجيا وأثق ان قادة الدولة الآن وعلي رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي سوف يزدادون ثقة بالمستقبل وبامكانيات مصر، هنا تضيف العقول المصرية إلي العلم الحديث ولا تكتفي باستهلاكه. الاستاذ والابنودي الخميس : يستيقظ الاستاذ هيكل مبكرا، وينام مبكرا، اذا امتد سهره إلي الحادية عشرة  فيعتبر انه اطال السهر، نظام صارم يذكرني بالاستاذ نجيب محفوظ الذي تعلمت منه ضرورة تنظيم الوقت، واخضاع لحظة الابداع للظروف وليس تركها للهوي، لم يكن ذلك ممكنا الا اذا كان عندي الاستعداد، ونتج هذا عن ظروف حياتي فلم أتفرغ للادب علي الاطلاق، بدأت عملي وانا في السابعة عشرة ومازلت، النهار للمعاش والليل للأدب، هذا مما يطول الحديث فيه، عندما استيقظت في الثامنة، فتحت الهاتف الذي اغلقه قبل النوم، رأيت رقم الهاتف الارضي لمكتب الاستاذ، احتفظ بهاتفه المحمول، لا استخدمه الا عند الضرورة القصوي أو اذا كان مسافرا في الخارج، للتعامل مع الاساتذة اصول اراعيها، تماما مثل زيارة الاولياء الصالحين، لابد من آداب للزيارة، السعي علي مهل، إلقاء السلام، ثم الطواف مع الاحتفاظ بمسافة، أخشي مكالمات الصباح الباكر والليل المتأخر، بادرت علي الفور بالاتصال بمكتبه، جاءني صوته ملهوفا. »‬ماله عبدالرحمن؟» قلت : انه يمربمرحلة صحية حرجة، وذكرت له ما ينبغي ذكره للتعريف بالحالة فمنذ سنوات نتصل يوميا مرة علي الاقل، نتبادل الآراء والشجون واحوالنا الخاصة، سألني الاستاذ »‬وماذا فعلت؟» قلت انني من واقع تجربتي فالجهة الوحيدة الجامعة لكافة التخصصات موجودة في المجمع الطبي للجلاء، وقد لجأت اليه مرتين في ظروف حرجة منذ اكتوبر الماضي، قبل أن يجري لي الدكتور جلال السعيد بعد التشاور مع القديس الطبيب مجدي يعقوب قسطرة طبية دقيقة في مستشفي البرج التخصصي، الخال يحتاج إلي عدة تخصصات موجودة في المجمع، وقد اتصلت باللواء طبيب بهاء زيدان وشرحت له الموقف، فابدي استعداده لاستقبال الابنودي وعمل كل ما يلزم، الخال انتظر زوال موجة البرد وقرر الذهاب صباح الاحد. الاستاذ في مثل هذه الظروف يبدو وجهه الانساني الرقراق، يتابع حالة الابنودي يوميا، وقد عرفت حالات مماثلة رأيت جزعه وبذله كل ما يقدر عليه للمؤازرة، وهذا من شيم الكبار، أعني البعد الانساني. خطأ في العنوان الثلاثاء أتجه إلي الزمالك تلبية لدعوة من السفير الاسباني، وهو رجل دمث، دبلوماسي قدير، اضافة إلي انه قارئ أدب متميز، ما من ندوة أو حفلة توقيع الا واجده في المقدمة بصحبة المستشارة الثقافية النشطة مونتسرات بوبلو »‬اسمها عربي الاصل»، لم اصطحب الدعوة معي، منذ فترة لم اذهب إلي مقر السكن، اذكره وعلي هدي الذاكرة مضيت، الزمالك كلمة تركية تعني العشش، ولكن منذ بداية العصر الحديث، هذا القرن اصبحت منطقة سكن للارستقراطية المصرية، توجد بها ثروة معمارية تتمثل في القصور والبيوت الخاصة، للاسف بدأ تحول منذ عصر الانفتاح الساداتي الذي أسس للفساد واحد ملامحه اختراق القوانين، طبقا للقانون لايجوز الارتفاع بالبناء الا لمستوي معين يتفق مع عرض الشارع، ولايجوز ايضا هدم المباني التي تجاوز عمرها القرن، جري اختراق هذا كله، إلي حد ان برجا شاهقا ظهر، بدون جراج، ناطحة سحاب، ومايزال قائما منذ عدة سنوات خاليا، ولم ينفذ القانون بإزالته، كثير من القصورجري هدمها وظهرت مكانها ابنية قبيحة، ما تبقي يرجع الفضل فيه إلي الاجانب، خاصة البعثات الدبلوماسية التي احترمت المقرات سواء ما كان منها بالايجار، او ملكا لها، وصلنا إلي منزل يلي بيت سفير الصين، انه نفس المنزل الماثل في ذاكرتي، مدخله الانيق، السور ذا البابين، السلم الرخامي العريض، اتجهنا اليه، وجدت الحارس ذو الملامح الاجنبية يفسح الطريق مرحبا، اذن ذاكرتي لم تخني، هكذا قدرت، صعدت السلم متمهلا، الباب مغلق، هذا غريب، لان هناك مدعوين، لمحت الجرس، وسرعان ما ارتفع صوت كلب واضح انه شرس، لم يفتح الباب، كان زميلي في اخبار اليوم يحاول الخروج بالسيارة، الباب الآخر مغلق، اقترب منه حارس مصري، سأله. »‬هو الاستاذ لوحده ليه.. فين المدام؟» قال الحاج صلاح »‬المدام معتذرة.. الاستاذ جمال جاي لوحده..» »‬الاستاذ جمال.. جمال مين؟» جمال الغيطاني الرجل كان مهذبا، ادرك أن خطأ وقع، قال :* »‬هذا ليس بيت السفير الاسباني، هذا بيت نائب السفير الامريكي..» ثم تقدم ناحيتي لينبهنا بهدوء، تصادف ان نائب السفير كان ينتظر ضيفين في نفس اللحظة، ادركت الخطأ، عدت لانزل السلم متجها إلي السيارة، الكلب مازال ينبح، والباب لحسن الحظ لم يفتح، عندما وصلت إلي بيت السفير الاسباني اخيرا لاحظت انه نفس التصميم، المدخل، السلم، الجدران، لكن علي بيت السفير كان حارسان، احدهما اسباني يحمل ورقة تتضمن اسماء المدعوين، سأل فاخبرته باسمي، بسط يده مرحبا وانا اتأمل سوء التفاهم الذي جري! من الكتاب المقدس لكل ابن انثي ايام معدودات، حبلي بالمتاعب، يروغ كظل، ثم يتلاشي. سفر ايوب