مازالت القراءة متربعة علي عرش المعرفة
والبركة في تفاهة وسطحية التليفزيون!! 
انصرف رغما عني عن التليفزيون فكثيرا ما أحاول ان اترك نفسي لبرامجة حتي لمجرد التعليق عليها وليس فقط لمتعة المشاهدة ولا اظلم بعض الهيئات البسيطة لبرامج جادة ربما نفذت من خرم ابرة ضمن الكم الهائل من التهريج وغث الامور ولا فائدة فلا يستغرقني ابدا لدرجة انني لجأت لبعض الاصدقاء لظني ان بي عيبا وهو التربص بهذا الجهاز لضبط اخطائه ولكن اصدقائي معظمهم وافقوني علي ان التليفزيون جهاز ينشر «التفاهة» بسبق اصرار وترصد بمعني ان التليفزيون وآله لديهم لجان ولجان منبثقة عن اللجان وبدلات اللجان أي ان ما يقدم لنا يمر علي الكثيرين ولكن في مصر المحروسة الخواطر وجبر الخواطر تتدخل في كل شيء حتي في تكوين وجدان الأمة!
والامة مغلوبة علي أمرها منذ سنوات رحيل سعد زغلول زعيم الامة والذي أرسي قواعد الوطنية في زمنه ثم رحل تاركا لنا رصيدا هائلا ولكننا ردمنا عليه غث الامور أو ربما غلبنا علي أمرنا اكثر للتيار العالمي الذي لا يقف علي محطة واحد سوي دقائق ويجري مسرعا الي محطة أخري ربما لم يقف عليها وترك ناسها حياري في أمرهم.
الامة لم يعد لديها ذلك الوجدان الذي  كلما جد جديد تجمعت وجدانيا حتي اصبحت ذات صيحة واحده ومطلب واحد.. تمزقت الامة واصبح كل واحد في حاله والاعلام الي حد ما مسئول عن تمزق وجدان الامة لانه اصبح يلعب في سلعة هدفها واحد وهو السيطرة علي الوجدان.. لهذا اصبح الانفراد بالكتاب هو نوع من الحماية لوجدان الانسان.
شخصية مصر
واخترت كتاب «شخصية مصر» للعظيم الراحل الدكتور جمال حمدان انه كتاب له نسيج خاص جدا ليس لاسلوب د. حمدان المنفرد ولكن لانه فعلا يجعلك تغوص في شخصية مصر ويجعلك تشعر انها شخصية أمامك متكاملة وكاملة وتكاد تنطق ان الكتاب مكتوب تحت عنوانه الكبير جملة شديدة الاهمية وهي توضيح لكل ما ورد في الكتاب وهي جملة «دراسة في عبقرية المكان» والذي يربطني بهذا الكتاب هذه الجملة بالذات فأنا من المغرمين بعلم الجغرافيا واستطيع رسم خريطة العالم من عقلي أما خريطة مصر ونهر النيل بذراعيه الحانيتين وهو يحتضن الدلتا فأنا ارسمها وأنا مغمضة العينين ولا أنسي تلك الانحناءه الجميله عند «قنا» ولا أعتقد ان هناك نهر في العالم له هذه القامة وهذا الشموخ وتلك الاطلالة مثل نهر النيل.
وحينما كنت ارسم خريطة الهند ويحتويها من الجانبين نهران الكنج والسند وكأنهما يعبران  عن خريطة آسيا كنت أشعر انهما مثل البشر الذي يحتضن صاحبه ويحميه في ود وحب.
لهذا كانت قراءتي الجديدة لكتاب شخصية مصر مثل استعادتي لقطعة من الشيكولاته أو كعك العيد لا استطعم واستعيد لذة الطعم.
الكتاب قرأته لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما ولكن في قراءتي الجديدة شعرت أكثر بالجهد الذي بذله ذلك العالم العظيم في تتويج رسالة حب لمصر بشكل علمي مدروس رسالة حب تظل متصله منه لها عبر كل قاريء يقرأ هذا الكتاب بل وتجعل القاريء يزداد حبا لتراب هذا الوطن والحب بدون معرفة لا يرقي الي مرتبة عالية.
وبأسلوب الاديب القارئ  للجغرافيا يصف خريطة مصر بقوله:الصعيد شق ضيق بينما الدلتا مروحة  مبسوطة مسطحة وهي أكثر طمييه من الطمي في قلبها من الصعيد ولكنها أكثر منه رمليه في الاطراف وفيما عدا هذا فالدلتا تتحلل في النهاية الي مجموعة مخففة متراصة من الصعيدات في خط اشبه ما يكون بورقه شجر ملتوية عروقها هي الضفاف المرتفعة وارضيتها هي المجاري المائية ثم يقول:
والتباين المحلي المحسوس لا يبين حقا الا في اقصي الاطراف الهامشية شمالا في الدلتا وجنوبا في الصعيد الاقصي واعتبر الكاتب ان الفيوم هي مصر الصغري ليس بانفصالها عن الوادي كدلتا داخلية ولكن من حيث هي تصغير جامع للدلتا والصعيد،
وهي من أول الدول في العالم التي ظهرت فيها علي حد قول الكاتب العبقري جمال حمدان جرثومه الوحدة السياسية وهي مرحلة لم تعرفها دول أخري الا بعد ذلك ببعض الاف من السنين بل لا تزال بعض الدول العربية تعيشها أو تعاينها وقد بدأت هذه المرحلة في مصر بعد الاستقرار الزراعي وقد استقرت في وحدتين اساسيتين بعد ذلك هما الوجهان البحري والقبلي ثم توحدتا منذ أربعة الاف سنه قبل الميلاد لذلك كانت مصر أول أمة بمعني القومية وأول دوله بالمعني السياسي الكامل بينما تأخرت بلاد النهرين في العراق وتقدمت الوحدة في مصر أولا لانها نهر واحد ملحوم بينما العراق نهران في رفعة مترامية.
لم تسبق مصر العالم في وحدتها السياسية فقط وانما هي أطول دولة حافظت علي وحدتها القومية عبر التاريخ ففي خلال سته الاف عام لم ينفرط عقد وحدتها حمي الله مصر جغرافيا وتاريخيا وشعبا عريقا.
سلامة قلب الفنان فاروق حسني
والفنان فاروق حسني - صاحب القلب الكبير- له فضله علي الثقافة في بلادنا بلا جدال وله الفكر الخلاق في ابداع ثقافة الطفل بالذات لايمانه القوي بأن الثقافة تربية تدخل في حياة الانسان منذ الطفولة وأن المصريين مثقفون بالفطرة والتاريخ.. بالفطره لوجودهم علي شاطيء نهر من أهم انهار العالم واطلالتهم علي بحرين من أهم بحار العالم هما البحر الابيض والمتوسط والمعروف بدائرة الثقافة تاريخيا من الاغريق والرومان وحضاريا بكل الدول والتي تطل عليه والبحر الاحمر الذي يحتضن العالم العربي ويتدفق بثقافاته ووحدته اعتقد ان قلب فاروق حسني قد فاض به العمل والجهد فكان يجب ان ينبض ويخبره بأن يتأني ويتحمل في مسيرته حتي يحافظ علي هذا القلب الذي دفع دماء ذكية كانت هامه في مسيرة الثقافة في مصر.
ان الفنان فاروق حسني تنبه منذ أن كان مديرا لقصر ثقافة الانفوشي ان زرع الثقافة في المصريين- وهم مثقفون بالفطرة لابد ان يبدأ من الصغر فكان أول مدير قصر ثقافة يهتم بثقافة الطفل ويفرد له اكثر من محور سواء بالقراءة أو الموسيقي أو الرسم فقد احاط الطفل اثناء رئاسته لهذا القصر بكل روافد الثقافة والتي تغذي فيه كل فروع الثقافات وقد حضرت بنفسي فعاليات كثيرة للاطفال اثناء رئاسته لهذا القصر ورأيت كيف يعيش الاطفال مناخا صحيا ثقافيا يجعلهم منتمين لبلدهم من خلال ثقافة مرسومه سواء تاريخيا أو واقعيا من خلال الفنون المختلفة وقد رأيت كيف يتم اكتشاف المواهب في القصر سواء في الرسم أو الكتابة أو الخطابة لقد استطاع هذا الفنان الذي بدأ عطاؤه الثقافي من قصر ثقافة الانفوشي حتي وصل الي قصر ثقافة مصر ضاربا في بحر الثقافة بمجداف رائع حول العالم خصوصا في فرنسا واسبانيا وايطاليا واليونان وكل معاقل الثقافة ومنابعها الاصيلة حول العالم ولم ينسي الغوص في ثقافات عالمنا العربي التي حرص عليها وحتي يلفت النظر اليها وتعميق العلاقه بها.
ان الفنان الكبير والمثقف الواعي فاروق حسني اتعب قلبه من أجل هدفه الجليل الجميل.. اكمل الله شفاءه وبقي دائما في عافيه تمكنه من دفع فاتوره حبه للوطن والتي يدفعها من عقله ثقافيا سواء وزيرا أو راعيا من خارج الحلبة.
ان الفنان فاروق حسني لم تبدع ريشته فقط ولكن عقله ظل مليئا بالابداع يقطر منه قطره قطره ليعطي لمصر روافد للثقافة مازالت تروي قصور الثقافة وبيوتها حتي الان ادعو الله ان يعطي قلبه العافية ليظل راعيا لثقافة المصريين كما هو دائما سواء داخل حلبة النظام أو خارجه رعاه الله.
شد الوجه وارتخاء العقل
ترددت كثيرا في نشر هذا المقال ولكني قررت نشره حتي تستفيد منه كل من تفكر في شد وجهها لان الطبيعة مهما كان سن المرأة فهي أجمل بكثير من هذا الشد. واسمعوا الحكاية.
ربع ممثلة ونصف فنانة استطاعت ان تنفذ الي التليفزيون من خرم ابرة ولان التليفزيون لا أب له ولا أم فقد تركوا لها الحبل علي الغارب.. وطلعت علينا بعد ان اجرت عشر عمليات تجميل لتنتقل من سن ٧٥ عاما الي الاربعين ولكنها وصلت بالكاد الي الستين ويبدو انها استرخصت وذهبت لطبيب تجميل كأنه مكوجي رجل فقد اصبح خدها يكاد يخفي عينها وضحكتها يادوب بالصوت والفم لم يعد يطاوعها وتعوض ذلك بحركات يديها و«كفك يا جدع» وكأنها علي قهوة في شارع السد بالسيدة زينب وإذا رقصت راقصة اهتزت معها واذا غني مطرب مثلت المقاطع العاطفية بضم يديها الي صدرها وبربشت بعينها تأثرا باختصار لا هي مذيعة ولا هي فنانة هي أي حاجة!
ثم تعمل حوارات مع كل من هب ودب مدفوعه الاجر سواء ماديا أو مفارش خيامية أو كليم أو صينية كنافة وقطايف ورمضان عندنا موجود ويستقبلها كل شئ.
وهناك مشاهد ملاكي تجعل المشاهد يغلق القناة ويتحول الي قناة اخري اكثر جدوي او يظل يستمع اليها وهي تستقبل رعاع القوم والمشاهد مسكين لان برنامجها هو الوحيد الذي يمكن مشاهدته في هذا الكم الهائل من البرامج الغريبة المنقولة عن تليفزيونات بلاد بره والغريب انها اصبحت تعرض في البرنامج نماذج من البشر لابد ان يكون لديهم ما يقدمونه لها حتي لو كانت صينية كنافة من التي يتقنها الضيف الذي يحظي بحوار لا يحظي به أي عالم طب أو أجتماع!
أو حوار حول ما يحتاج بلدنا من مشاكل كثيرة أقلها ازدحام المواصلات ونقص المياه وتكدس الاطفال في الفصول ومطبات الشوارع والتي لا تتسبب في الحوادث فقط بل تتسبب في هلاك السيارات هذه القضايا لا تهمها لان ليس لها عائد مادي أو حلوي.
وبالعودة الي شد الوجه فاعتقد ان الرابح الوحيد هو اطباء التجميل حيث يبدأ الارتخاء بعد عامين علي الاكثر وتظهر الترهلات ويعود العمر الحقيقي لكل امرأة أرادت ان تعود بالزمن الي الوراء بالشكل ويمكن المضمون يصعب عليها لانها اصلا تصلح الشكل لانها لا تريد العودة للمضمون فكل امرأة تشد وجهها تطمع في مضمون جديد بشخصيات جديدة لشعورها بالملل من الشخصيات التي واكبتها بالشكل القديم والمضمون القديم ادام الله عز اطباء التجميل واعانهم الله علي مواكبة نساء من زمن مضي يردن السيطرة علي زمن ليس من زمانهن فقط لينافسن الاولاد ويوددن الوصول للاحفاد.
بين مريم وحمزة وكاميليا
هؤلاء الثلاثة هم احفادي رعاهم الله وبين مريم وحمزة اثنا عشر عاما ولكني اجد مريم شديدة الانسجام مع حمزة ليس لان حمزة أكبر من سنه ولكن لان مريم احمد شديدة المقدرة علي النزول الي الاطفال واتمني ان مريم بعد الانتهاء من دراستها العالية ان تقدم بحثا عن العلاقة بين الكبار والصغار من خلال علاقتها بحمزة.
أما كاميليا فإنها تجلس بين يدي وأمسك يديها وأقول لها اللي يسقف سوسه ستو تجيب له عروسه فأصبح جرس الكلمات يدفعها الي ضم يديها لتصفق ولكن اصابعها الصغيرة الحلوة تتشابك فلا تستطيع ان تفكها بسهولة فأفكها لها في سعاده وهي تضحك وقد اصبحت تنتظر هذه الحركة فتضم اصابعها وتشير بهما الي لافكهما لها.
أي سعادة يشعر بها الانسان وهو يتأمل النمو الحركي والعقلي للصغار خصوصا في الشهور الثلاثة الاخيرة من السنة الأولي والتي يظهر فيها بوضوح تنبه عقل الطفل وقدرته علي ربط حركة المخ بحركة الاعضاء مثل القدمين واليدين ثم الرغبة في الوقوف في حركة مفاجئة باحساس قدره اكبر من القدرة الفعلية مما يجعل المحاولة تتكرر بإصرار حتي يتم النمو فعلا وتصبح الحركة مضبوطة.
انني حينما اتأمل محاولات الاطفال أشعر بقدرة الله سبحانه وتعالي في وضع معجزاته في البشر سبحان الله ان الطفولة في مريم ثم حمزة ثم كاميليا جعلتني أري الله بعيني وعقلي كل لحظة لعظمة خلقه ورعايته في كل لحظات نمو البشر الله ما أعظمك إن الصلاة هي أقل اعتراف وشكر لك.
مصر بين جاهين ونجم
كلما قرأت لأحمد فؤاد نجم تذكرت قراءاتي لبيرم التونسي وخرجت بحقيقه هامة وهي ان كل منهما رسم خريطة مصر الناس بالزجل الجميل والوصف الدقيق ليس وصفا عاديا ولكن وصفا وجدانيا ايضا لم ينفصل عن الكاتب وهو يكتب وبين يدي الان الاعمال الشعرية الكاملة لأحمد فؤاد نجم وفي رأيي أن نجم لم يأخذ حقه من الشهره سواء بين الشعب أو بين المثقفين وذلك لانه وقف بمقدره رائعة في صفوف المعارضة وكان معارضا شديد الذكاء منتميا لهموم الوطن باعتبارها همومه شخصيا.. لن اضيع وقتكم في هذه الكلمات لأقدم لكم بعضا من ابداعات نجم التي تهز القلب والوجدان وأقرأوا معي :
باحبك يا مصر
بأحبك باحبك باحبك
يا مصر
مسايا وصباحي
أسبح بحبك
وحبك شقايا
وجراحي يا مصر
ثم يقول 
احب اغترابي
في صبحك وليلك
واحب الونس بالرفاقة
يا مصر
أما صلاح جاهين فقد ناجي مصر قائلا:
مصر النسيم في الليالي وبياعين الفل
ومراية بهتانه ع القهوة أزرها واطل
القي النديم طل مطرح ما أنا طليت
والقاها برواز معلق عندنا في البيت
فيه القمر مصطفي كامل حبيب الكل
المصري باشا بشواربه اللي ما عرفوا الذل
ومصر فوق في الفرانده واسمها جوليت
ولما جيت بعد روميو بربع قرن بكيت
ومسحت دمعي في كمي ومن ساعتها وعيت
علي اسم مصر
رحم الله هؤلاء العظماء الذين أنابوا عنا بمواهبهم في التعبير العبقري عن حب مصر.