وهكذا هي الأيام المباركة نرقبها علي مدار العام وحين تجيئ تمضي سِراعاً مهما حاولنا اللحاق بها والبقاء عليها، رغبةً في أن تحتفظ قلوبنا بهذا الخفق الإيماني الشامل.. وأن يسكن نفوسنا هذا الطهر والنقاء الكامل.
والحق يقال أن مظاهر الوحدة للأمة اٍلاسلامية كلها في رمضان، دليل علي أن الله الذي إختص هذه الأمة بكل مقومات التوحد وبكل خصائص التوحيد، قادر جلّ في علاه أن يجمع شملها وأن يعيدها إلي سابق عهدها.. خير أمّةٍ أخرجت للناس.
وأننا فعلاً نعيبُ زماننا والعيبُ فينا.. وما لزماننا عيبٌ سوانا. وكنت قد أردت بهذه المقدمة مدخلاً للحديث عن شيئٍ من الفساد الذي يربك خطط التصحيح ويقذف بها بعيداً عن المسار السليم الذي حين تسلكه فلا شك أنه سيقودها لكل خير، وغاية يعمل المخلصون من أجل تحقيقها وبلوغها.. ولكني والأجواء الإيمانية تحيط بي من كل جانب، ودعوات صادقة تجوب الفضاء صاعدةً إلي مجيب الدعوات، وصوت القرّاء يعطّر الأرض بأيات الله المباركات، آثرت أن أرجئ الحديث عن ما تشتكي منه العباد من فساد إلي ما بعد رمضان الخير إذا كتب الله لنا في العمر المزيد. راجياً أن نتذكر جميعاً فضائل هذا الشهر الكريم. والذي فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلامٌ هي حتي مطلع الفجر..
وكنت في مقالتين سابقتين تحدثت عن الأثار السلبية لحرب المسلسلات التي بلغني أن تكلفتها لهذا العام ( مليارين ومئتي مليون جنيه ) وفي رواية أخري مليار وخمسمائة مليون جنيه، ومن ناحية تجارية فإن هذا المبلغ أو ذاك قد شغّل العاملين في الوسط الفني لكنه أحدث من التدمير أكثر مما أحدث من التعمير.
وأحمد الله أن مقالاتي المشار إليها قد وجدت صدي مشجع ومؤكد أن النية الحسنة متوفرة عند الكثيرين.
والحقيقة أني لا أحب أن أنتقد محطات تليفزيونية بعينها.. رغم أن بعضها ( وله معزّة خاصة في نفسي) درجت في السنوات الأخيرة علي تقديم برامج مخيفة، يقبل المشاركون فيها أن ( تمرمط ) كرامتهم من أجل ما يُدفع لهم من مقابل مادي مهما إرتفع فما كان يجب أن يكون ثمناً لهذه الكرامة.. ولكن لاحول ولاقوة إلا بالله..إنهم يذهبون إليها بمحض إرادتهم ويسافرون وهم يعلمون طبيعة هذه البرامج وإن أُخفيت شخصية مقدمها الدائم ولكن المحطة للأسف معروفة..وياسبحان الله.. كيف إرتضي هؤلاء المشاركون أن يكونوا أضحوكةً بين الناس في الأرض أو في الجو ؟!
والحقيقة أني اتساءل : أما علم صنّاع مثل هذه البرامج مدي الإثم والذنب في ترويع الناس ؟! وفي زرع الخوف في نفوس الأخرين، وكأننا ماشاء الله نعيش في منتهي الأمن والطمأنينة ؟! هدي الله الجميع.
والسؤال الأهم : أين ذهبت المسلسلات الدينية والتاريخية التي تعيد ربط المشاهد بذلك الإرث القويم من النبل والشهامة والرجولة علي مدي القرون الماضية؟ أهي مجرد صدفة ؟ أم المخرج ( عايز كده ) أم بفعل فاعل ؟ّ!
وأذكر أني وأخي وصديقي المرحوم بإذن الله الدكتورمحمد عبده يماني، ذهبنا ذات مرة إلي فضيلة الشيخ المرحوم بإذن الله جاد الحق، وكان شيخاً للأزهر الجليل، نناقشه في مسألة منع ظهور الصحابة الكرام عليهم رضوان الله في الأعمال التاريخية في المسلسلات. وقـلنا له : يامولانا إن هذا المنع يجعل من كل المسلسلات التاريخية جاهليةً فقط يظهر فيها العرب يحاربون الله ورسوله ويتهكمون علي الإسلام والمسلمين حتي إذا هداهم الله وصاروا من الصحابة حجبتم ظهورهم. وقلنا له : إن فيلماً كفيلم « الرسالة « الذي عُرِض في كل أنحاء الأرض ماعدا هنا قد كان سبباً بعد هداية الله في إسلام العشرات، ولن نقول المئات. أليس ذلك خيرٌ من حمر النعم ؟
لقد كانت إلي نحو عقد من الزمان مسلسلات رمضان أعمال ذات قيم ومغازي وأهداف وعلي سبيل المثال مسلسلات الفنان محمد صبحي ( شملول وونيس ) وأرجو أن يشير إلي أحد، أي أحد عن مسلسل واحد اليوم في رمضان له هدفٌ أو رسالة، فأنا لم أعد أشاهد التلفزيون. وأرجو من أي مؤلف كتب شيئاً يعتقد أن له هدفا أو رسالة أن يتفضل مشكوراً بإشعاري بذلك حتي أكتب له متأسفاً وشاكراً في نفس الوقت.
لقد كنّا كأصحاب قنوات خاصة نمتلك أجهزة رقابية ذاتية أكثر حرصاً ووعياً من الرقابة الحكومية، وكم نصرت العاملين في أجهزتنا الرقابية علي كثيرٍ من مقدمي البرامج عندي لدرجة ترضي الضمير والعقل.
أرجو أن لايعتبر أحد أن هذا النقد موجه لمصر ومحطاتها الخاصة أو العامة، ولكنه يشمل كل المحطات العربية التليفزيونية وكل الدول العربية.. إلا من رحم ربي.. يا ناس لقد كانت هناك فوازير في رمضان تدفع الناس للبحث والتقصي في كتاب الله من أجل الحصول علي ثلاثين إجابة علي مدار ثلاثين يوماً.. وثلاثين جزءًا من كتاب الله الكريم.
هدانا الله لما يحب ويرضي وكل عام وانتم بخير