في نفس الوقت، فإن منظومة التموين قد تغيرت بشكل جيد، وتنال شكر ورضي الغالبية العظمي من الفقراء ومتوسطي الحال

هذا هو مقالي الثاني عن الميزانية، وسبق أن كتبت قبل أسبوعين مقالاً بعنوان: «سيادة الرئيس الفقراء لهم الله.. والأغنياء لهم السلطة»، وكانت له ردود أفعال جيدة للغاية. واليوم نواصل الكتابة في شهر الميزانية عن الميزانية، لعدم وجود برلمان يراقب ويحاسب ويتدخل في الميزانية ويعيد صياغتها. كما أن من سمات علم السياسة ووظائفه، أنه يقوم بتحليل الميزانية ليقدم ويستخلص انحيازات السياسات القائمة في البلاد، هل للأغنياء أم للفقراء؟!.
وحيث أن الميزانية غير متوافرة بالكامل، فإن حديثنا يتركز علي ما يُنشر وهو «الفتات». وتتعمد الحكومة ووزيرا المالية والتخطيط، استعراض الأموال التي تبدو أنها ضخمة، والمخصصة في مجال التعليم والصحة والخدمات، في حين أن هذه الأموال لا تجد لها صدي كبيرا إلا في أحياء الأغنياء، والفتات للفقراء والمناطق الفقيرة التي يظهرها إعلام المرحلة علي أنهم متسولون للقمة العيش وموائد الرحمن ومساعدات القادرين، وأغلبهم هم الذين مصوا دماء الشعب ونهبوا أمواله وهرَّبوا ثرواته، والكل براءات بالجملة.!!
كما أن الأموال المنفقة في التنمية، هي للتنمية العقارية (مباني  عاصمة جديدة تكرارا لمأساة عاصمة «السادات» ـ مساكن.. إلخ)، وليست تنمية صناعية زراعية لاستيعاب الفقراء والشباب في وظائف حقيقية مستديمة تخلق لهم الاستقرار المفقود. فالتنمية العقارية يستفيد بها الأغنياء في الغالب، وللفقراء نصيب محدود ومؤقت ولا تخلق استقرارا. فقد قال أرسطو قبل خمسة آلاف عام تقريبا «إن صمام أمن واستقرار المجتمع يكمن في وجود طبقة وسطي قوية وعريضة، تكون أغلبية الشعب». ومن المؤسف أن نظام مبارك خلف طبقة فقيرة واسعة وهبط بالطبقة الوسطي للقاع، وركز الثروة في أيدي القلة، وأظهر رجال أعمال النظام ـ وقد كانوا فقراء ـ ليكونوا خير سند عند نقل السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الابن، الذي ينكرونه في أحاديث فاجرة، وكأنه كان وهماً.!!
وعندما تقرأ فكر وزير الكهرباء ووزير البترول، فهما يلجآون لزيادة الأسعار، والفقراء يدفعون الثمن للأسف، مهما قيل أن الرئيس وجَّه بإلغاء الزيادات في الكهرباء لشرائح حتي ٢٠٠ ك، وشرحت في المقال السابق أن الزيادات تتوقف نهائيا حتي (١٠٠٠ ك)، لحماية الطبقة الوسطي والفقيرة معا، لاستقرار المجتمع. فهل تعلم يا سيادة الرئيس أن جميع أسعار السلع تضاعفت من ١/٧/٢٠١٤م حتي منتصف يونيو ٢٠١٥م، وأنهم يقدمون لسيادتكم تقارير كاذبة بأن نسبة التضخم «الأسعار» في حدود ١٠٪!! إنني أنقل ما يدور في الشارع ومن ألسنة الفقراء ومتوسطي الحال الذين يريدون تحسين حياتهم بعد ثورتين في ٢٥ يناير، ٣٠ يونيو، فماذا يفعلون لكي يستردوا حقوقهم ممن نهبوها؟! فالضغط المتواصل علي الطبقة الوسطي الضعيفة للإجهاز عليها وعدم تمكينها من العيش الكريم، دفعها إلي اللجوء لآليات غير كريمة، بل غير أخلاقية، بل غير قانونية، وهي كلها آليات فساد، لأنهم لم يجدوا من يحميهم ممن نهبوهم، ولم يجدوا من يسترد لهم حقوقهم وينتزع ما تم نهبه.. وما نراه كله كلام بلا فعل. كما تجد خبرا منشورا بأن الحكومة أدرجت مبلغ (٥) مليارات لدعم الصادرات!! ونحن نطالب بإلغاء ذلك، لأنه دعم للأغنياء علي حساب الفقراء، وشهد فسادا لا أول له ولا آخر، ويتم توزيعه علي المحاسيب، وفتح الملف ثم أغلق بلا سبب!! ولديَّ قائمة كاملة عن إحدي السنوات قبل الثورة وبعدها، ومازالت مراكز النفوذ تسيطر بكل أسف.!!
نجد الضرائب تنخفض للأغنياء، وتوقف ضريبة البورصة ويتم رد الأموال المحصلة طوال العام المنصرم، بحجة أن البورصة تنهار!!. في حين كانت خسائرها بعد الإلغاء أكبر من قبل الإلغاء، الأمر الذي يقطع بأن حكومة محلب هي حكومة للأغنياء ورجال الأعمال، ولم تختلف عن حكومة نظيف وشفيق وما قبلهما وما بعدهما بكل أسف. والحجج في ذلك تنشيط الاقتصاد وزيادة الاستثمار وتشجيعه علي عكس ما يتم في العالم، حيث تبلغ الضرائب علي الدخل ما لا يقل عن ٥٠٪ في حين أنها في مصر ٢٢٫٥٪ فقط بعد ثورتين!! يا الله.
فاسمح لنا سيادة الرئيس لكي تنتصر للفقراء ومتوسطي الحال قبل فوات الأوان. فالثورة مستمرة حتي تحقيق العدالة الاجتماعية أولا، ومازال الحوار متصلاً، وكل عام وأنتم بخير