أما قنوات الإخوان العثمانلية، وإذا تركت التحريض الواضح جانبا، فيمكنك فعليا أن تكتب عنها كتابا في «الخيال السيريالي»
المحن تصهر القلوب والبشر، وتكشفهما أيضا، والساعات العصيبة التي مرت علينا اليومين الماضيين، سواء عبر ما رددته وسائل الإعلام من خسائر في المعركة، قبل صدور بيان المتحدث العسكري، وما تلاه من إحساس بالانتصار والزهو بجنودنا، معجون بألم يعتصر القلوب ونحن نشاهد لوعة أهالي الشهداء من جنودنا، نشاهد ليس بمعني نتفرج، وإنما بمعني «الشاهد» حين يشهد، وكل منا في بيته يردد باكيا مع الحشود: لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله». من عرف الحرب وعاشها من جيلنا ومن سبقه، يعرف أن «الصمت» في هذه اللحظات سلاحه الوحيد، وأن الشائعات ستسري كالنار في الهشيم، علي مواقع التواصل والشاشات، وأن الشائعة تمتلك نواة تبدو حقيقية تقام فوقها تلال الأكاذيب، فما أن بدأت المعركة حتي أخذت الشاشات تذكربكذب البيانات في نكسة 67، كي تضع المشاهد في حال عدم تصديق لما سيسمعه بعد ساعات من المتحدث العسكري! ضربات استباقية إذا جاز التعبير، وبث الرعب في دوامات تبدأ من حيث تنتهي، وهل هناك رعب أشد من تخيل أعلام داعش علي أرض سيناء؟! لكن المحن إن لم تعلم الإنسان سيعيش حياة هي محنة بذاتها، وهو ما أدركه المصريون الضاربون بأقدامهم في أغوار التاريخ، فتماسكوا كما تماسكوا في الميادين، وكما دقت أجراس الكنائس في 30 يونيو وقت أذان المغرب في رمضان، وقف المصلون المسلمون أمام الكنيسة يصلون صلاة الجنازة بينما يقام القداس داخل الكنيسة علي روح الشهيد «أبانوب». هذه المعجزات الصغيرة تصنع المعجزات الأكبر، وهو ما لا يضعه في أذهانهم من يعملون في قنوات كالجزيرة ومكملين وغيرهما، لا تعرفها عقول «المرتزقة» حين يهجرون بلادهم وينسون روحها ليلتقطوا فتات موائد أعدائها، ضاحكين وشامتين، ولأن تعريف «الغباء» هو عدم قياس مدي ذكاء الآخرين، فقد طالعتنا شاشات القنوات في ساعات المحنة بسيل من الأحاديث، منها ما يدعي «الحياد» المهني، كأحد مذيعي الـBBC في مداخلة مع أحد الخبراء الحربيين، سرب المذيع عبارة بدت عفوية سائلا: «ولكن ألا تري يا سيدي أن هناك جيوشا لا تقل قوة عن الجيش المصري سقطت أمام داعش؟» وعلي قناة فرنسا 24 يستضيف المذيع ناشطة حقوقية في مجال المرأة تعيش في فرنسا، ولا أنكر أن السيدة حاولت بجهد واضح أن تتكئ علي الحروف لإخفاء اللكنة، ولكن انفعالها في الحقيقة، جعلها تقول عبارات مثل: الجيش «هدس» الناس، ولما صحح لها المذيع : تقصدين «دهس»؟ وهو خطأ من أخطاء اللسان وارد بالقطع لأي منا، لكنها استرسلت معلنة أن الحكم العسكري «لعوص» الديمقراطية! (تقصد لوث) في «المدفع» الجوي! ليست هذه مجرد أخطاء لسان، فما نُعلّمه لطلابنا في الدرس الأول أن اللغة بنية تفكير، وأن أول شيء يفعله الاستعمار للتمكن من شعب ما، هو امتصاص لغة الشعب في لغة المستعمر، كي يغير بنية تفكيرهذا الشعب، ولا أفهم في الحقيقة استضافة مصرية لم تكف طول البرنامج عن ترديد: «أنا كمناضلة»، لا تعرف كيف تتكلم لغة بلادها! أما قنوات الإخوان العثمانلية، وإذا تركت التحريض الواضح جانبا، فيمكنك فعليا أن تكتب عنها كتابا في «الخيال السيريالي»، فستجد أسئلة من نوع: «ولكن ألا تري أن الحراك الشعبي»المحتدم» في شوارع مصر كلها علي وشك إسقاط النظام»؟ مما سيدفعك مثلي لفتح النافذة كل ساعتين كي لا يفوتك الحراك الشعبي المحتدم وهو يمر من تحتها! ولا يسعني وأنا أقرأ بيان داعش الانسوي أن أضيف لمعجم حضراتكم اللغوي قولهم: اضطررنا «للانحياز» (يقصد الانسحاب)، «ومجاميع من الانغماسيين» (وهو ما أعدكم أنني سأبحث عن معناها) وأن أختتم بالجزيرة وهي تصرح «أن الجيش المصري استخدم القوة المفرطة مع مقاتلي الدولة الإسلامية» وهو ما لا يرد عليه إلا بعبارة شيرين الشهيرة : ادبحها بالراحة يا معلم!كل 30يونيو و3/7 ومصرنا جيشا وشعبا في رباط إلي يوم الدين