كتبت في فبراير مقالاً تحت عنوان « الضربات الجوية.. حزم وحسم» وكتبت الأسبوع الماضي مقالاً تحت عنوان « ضرب الإرهاب بيد من حديد» وها أنا أعود للكتابة مرة أخري ونحن في العشر الأواخر من رمضان وأعود إليكم بهذا المقال الذي جعلت له عنواناً « نحن نزرع السنابل.. ولا نزرع القنابل».
فلقد امتلأ شهر رمضان هذا العام بالتفجيرات.. ولم يمتلئ بالحسنات أو رفع الدرجات..
فجاء الاعتداء الآثم، بتفجير موكب النائب العام، ممثل القانون، وحاميه، رمز الحق والأمن.
ثم توالت التفجيرات تباعاً وكأنها عقد قد انفرطت حباته لما انقطع خيطه.
تفجيرات في أكتوبر وتفجيرات في حلوان وأخري في المعصرة ورابعها في شمال سيناء.
وأقول لهؤلاء المفجرين - الذين فجروا أنفسهم وفجروا غيرهم من الأبرياء وإلي الذين بيتوا النية علي مزيد من التفجيرات - لقد اعتبرتم أن الإرهاب هو الجهاد في سبيل الله، فطلبتم بفهمكم الأعوج «الموت في سبيل الله»وذلكم ظنكم- ولكنكم لا تستطيعون «الحياة في سبيل الله»
هل تعرفون أن الكمائن التي قمتم بتفجيرها هي حصون الأمن والأمان لهذا البلد الطيب؟
أتعلمون ماذا فجرتم ؟ لقد فجرتم عيناً قال عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام « عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
هؤلاء الذين قمتم بتفجيرهم يحمون وطنهم ويحبونه؛ ألم تعلموا أن حب الوطن من الإيمان؟!
ألم تسمعوا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد حث أمته علي حب الوطن؟! فقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام حين أخرجوه من مكة، فقال مخاطباً إياها وهي وطنه الذي نشأ وترعرع فيه : «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
ألم تسمعوا عن حب رسول الله عليه الصلاة والسلام للمدينة وهي وطنه الثاني الذي آواه ونصره؟!
هذا هو حب رسول الله عليه الصلاة والسلام للوطن فأفيقوا أيها الشباب.
فبدلا من التكفير والتفجير.. هلمُوا إلي البناء والتعمير..
فديننا يأمرنا بزرع السنابل.. ولا يأمرنا بزرع القنابل..
فها هو رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول « إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتي يغرسها فليغرسها».
أليس هذا هو البناء ؟! أليست هذه هي التنمية؟! أليس هذا هو ديننا ؟! غرس النبتة حتي والقيامة تقوم!!!.
لقد أخطأتم في فهم معني الجهاد، فجعلتم القتل والترويع، وإتلاف الأموال، والممتلكات، والاستهانة بمقدرات البلاد والعباد.. نوعاً من أنواع الجهاد.. فكيف توجهون سلاحكم إلي ذويكم وبلادكم وأهليكم؟!.
لقد ابتعدتم عن المنهج الحق المبين.. الذي ارتضاه لنا رب العالمين.. والذي يقول لنا فيه في سورة الأنعام : « وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ».
وتأتي هذه التفجيرات متزامنة بعد النداء المتهافت الذي يسمي « بنداء الكنانة» ومعظم الموقعين علي هذا النداء ليسوا مصريين ! ومعظمهم لم يدخل مصر في حياته ! وبعضهم لم يدخلها منذ عشر سنوات! فهم بمثابة شاهد جاء ليشهد بما لم يره ! ولكن هذا من تقدير العزيز العليم ومن تدبيره في كونه وبين مخلوقاته فقد قال تعالي في سورة البقرة «وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ».
إن ما يصدر وما يحدث في هذه الأيام من أعمال إرهابية لا يصدر أبداً عن مسلمين.. ولا مؤمنين.. ولا موحدين.. ولا يقر به أي دين، فأي دين هذا الذي يستحل القتل والتفجير.. وأي دين هذا الذي يدعو إلي التكفير.
ولا شك أن الظروف التي تمر بها بلادنا اليوم وما ظهر من حركات العنف والإرهاب في مجتمعاتنا الآمنة بطبعها، والتي ترفض الإرهاب، والتطرف،والغلو والعنف؛ اتفاقاً مع شرعنا الحنيف يتطلب منا أن نتعاون ونتحد في القضاء عليها.
وفي هذا استجابة لقول ربنا تبارك وتعالي في سورة المائدة: « وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،.