لكل منا شخصيات تعرف عليها واثرت في حياته ومسيرته...و عن نفسي كان الدكتور عبد القادر حاتم رحمه الله من أهم هذه الشخصيات... ولمن لم يعرفه فهو شخصية هادئة تتسم بالحكمة والذكاء الشديد... لطيف المعشر وذو ابتسامة تفيض بالمحبة ولا تملك الا ان تحبه...
وكانت له مواقف وحكايات كثيره مع الثلاثة رؤساء الذين خدم معهم...و اذكر منها قصة حكاها لي مع الرئيس عبد الناصر : « وهي ان بعض المغرضين اخبروا عبد الناصر ان الدكتور حاتم ألغي خطبة الرئيس من القناة الثانية وقصرها علي الأولي فسأله الرئيس ناصر بنبضة غاضبة اذا كان هذا صحيحا فرد الدكتور حاتم بالإيجاب انه صحيح وأعقب ذلك بالشرح للرئيس بأن هناك في الإعلام ما يسمي بالاوفر كيل اي ان تكرار الخطبة علي اكثر من قناة يؤدي في النهاية إلي عكس المطلوب ويكره الناس فيك «. واقتنع عبد الناصر وتعلم من حكمة وذكاء هذا الرجل العظيم رحمه الله.
تعرفت علي الدكتور حاتم عن طريق ابنته إيمان التي زاملتني في المدرسة الألماني وابنه طارق صديق إخوتي ايضا وكان رحمه الله من أشد المهتمين بالتعليم وطالما ساند هذه المدرسة التي تخرجت منها نماذج عديدة ناجحة في المجتمع المصري.و قد كان لتدخل الدكتور حاتم دور محوري في حياتي وظلت هذه القصة محفورة في ذهني حتي اليوم... و تبدأ القصة عقب حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ وكنت قد قدمت اوراقي للالتحاق بالمعهد الفيديرالي للتكنولوجيا في زيوريخ وتم قبولي للالتحاق بقسم الهندسة الميكانيكية الا أني فوجئت بحرب ٦ أكتوبر كما فوجئ كل زملائي في الغربة وكانت كل المطارات مغلقة فلم يتسن لنا العودة إلي الوطن. وفوجئنا ايضا بحجم المظاهرات التي نظمتها المنظمات المؤيدة لإسرائيل والمنظمات اليهودية السويسرية يوميا في شوارع زيوريخ فاقترحت علي زملائي ان نقوم نحن المصريين والعرب في زيورخ بمظاهرات مضادة لتوضيح الحقائق للرأي العام السويسري وقد طلب مني الزملاء القيام بهذه المهمة نظرا لإجادتي اللغة الألمانية.
المهم توكلت علي الله وذهبت إلي المقر الرئيسي للبوليس للسؤال عن الإجراءات الواجب اتباعها والحصول علي الإذن القانوني والموافقة علي المظاهرة... و هنا كانت المفاجأة الكبري في رد فعل البوليس السويسري... فلقد أخذني إلي غرفة مغلقة واودعني فيها لمدة ٦ ساعات بمفردي ثم اصطحبني في عربة بوكس مغلقة بها ٦ أفراد مدججين بالسلاح إلي مقر إقامتي عند أسرة سويسرية التي تفاجأت بهذه الزيارة ودخلوا إلي غرفتي وقلبوها رأسا علي عقب وفتشوا كل متعلقاتي بطريقة مستفزة دون اي تفسير او تعليق وافرجوا عني بعد ذلك قائلين انت ضيف هنا وليس لك اي حقوق عندنا... وتحسرت وقتها علي ديموقراطية الغرب...
المهم حتي لا اطيل عليكم رجعت إلي مصر وقدمت اوراقي للسفر لدراستي... ومر شهر أكتوبر ثم نوفمبر وديسمبر ولا رد علي طلبي وفي منتصف يناير بعد ان فاض بي الكيل ولم ترد السفارة اي رد ولم يبق علي بدء الدراسة إلا أسبوعان وفقدت الأمل نهائيا في السفر فنصحني والدي بالذهاب إلي الدكتور حاتم وكان وقتها القائم بأعمال رئاسة الوزراء لطلب مساعدته في هذه المشكلة وبالفعل ذهبت إليه وحكيت له القصة كلها وهنا كان الموقف الذي لم أنسه له طول العمر... فقد رفع السماعة وطلب السفير السويسري وقال له الآتي بقوة ولطف: «عندي هنا نجيب ساويرس وهو متخرج من المدرسة الألمانية وتم قبوله عندكم في البوليتكنيك الا ان الفيزا لم تصل حتي الان ودراسته كمان أسبوعين ولذا أرجو استعجال الفيزا وإعطاؤها له ما لم يكن قد صدر عنه اي عمل غير قانوني علما بان هذا الامر يهمني شخصيا وانا اعرف هذا الشخص معرفة وثيقة وهو من عائلة محترمة وأشك ان يكون قد أخطأ في شئ!». انتهت المكالمة وكانت مكالمة قوية ورسالة واضحة ولم انس هذا الموقف طوال حياتي فلقد كلم السفير بلهجة قوية وواضحة وأتت الفيزا بعدها بأسبوع وذهبت إلي دراستي وعرفت بعد ذلك ان رئيس البوليس السويسري الذي ذهبت اليه للحصول علي الموافقة هو في نفس الوقت رئيس جمعية الصداقة السويسرية الإسرائيلية....!!!
الدكتور حاتم هو من وضع حجر أساس السياحة في مصر عملا بنصيحة المستشار الألماني له عندما قال له ان مصر تمتلك كنزا اسمه شمسها وجوها المميز فبني فندق شيراتون الغردقة مؤسسا بهذا بداية مدينة الغردقة السياحية وهو مؤسس التليفزيون والاعلام المصري ورئيس وزراء معركة أكتوبر ولا تكفي مقالة واحدة لسرد إنجازات هذا الرجل العظيم رحمه الله...هتوحشني يا دكتور...في جنة الخالدين.