مصر ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو قادرة علي استعادة مكانتها الريادية والتواصل مع أشقائها في دول حوض النيل، بما يحقق التكامل والتنمية والرخاء لأبناء دول الحوض.

ختاما  لسلسلة المقالات حول تاريخ ومستقبل دول حوض النيل نتناول اليوم دولة بوروندي التي تحتضن أول منبع لنهر النيل طبقا لاعلان هيئة اليونسكو، والتي تضمنت تعريفا بكل دولة من دول الحوض العشر التي نتشارك معها في حوض نهر النيل.
وتعد بوروندي من الدول صغيرة المساحة في وسط القارة الأفريقية، وهي دولة داخلية بلا سواحل، عاصمتها بوجمبورا وتطل علي بحيرة تنجانيقا التي تبلغ مساحتها حوالي 600 كم2 من المياه العذبة، وتقع ضمن هضبة البحيرات الاستوائية. وتكتسب بوروندي أهميتها بالنسبة لمصر لكونها إحدي دول منابع نهر النيل حيث ينبع منها نهر لوفيرونزا الذي يعتبر أقصي مصادر النيل جنوباً، وهو أحد روافد نهر كاجيرا الذي يقطع مسارً طوله 690 كم قبل أن يصب في بحيرة فيكتوريا التي تعد المصدر الأساسي لمياه النيل الأبيض، ومنها ينساب نيل فيكتوريا إلي مجموعة البحيرات الاستوائية (البرت وكيوجا) ثم شمالا إلي بحر الجبل فالنيل الأبيض إلي الخرطوم ثم النيل الرئيسي حتي بحيرة ناصر ودلتا نهر النيل بمصر.
وهي تعد - بجانب رواندا - من أقاليم الكونغو الكبير قبل الاستقلال. وتقع بوروندي في المنطقة الاستوائية حيث ينتمي مناخها إلي النمط الاستوائي الرطب، وتشتهر باعتدال الجو بها، إذ يبلغ متوسط درجة الحرارة 28 درجة مئوية، ويتساقط المطر بها في موسم الأمطار 7 أشهر، وتشتهر بزراعة القطن والشاي والبن والتبغ ونخيل الزيت، ولغتها الرسمية اللغة الفرنسية، كما أن نظام الحكم بها جمهوري منذ استقلالها عن بلجيكا عام 1962.
وتتميز العلاقات المصرية البوروندية بمتانتها وتواصلها وتقوم علي تعزيزالتعاون المشترك بين الدولتين في ظل رغبة كل منهما في العمل معاً من أجل تسخير وتطوير وإدارة موارد المياه لصالح مواطني الدولتين علي حد سواء، فقد استفاد حوالي 12 مهندسا بورونديا من المنحة المصرية للحصول علي دبلوم الموارد المائية من جامعة القاهرة. كما انخرط اكثر من 20 متدربا من العاملين بوزارة المياه البوروندية في برنامج تدريبي عن هيدرولوجيا البيئة وهندسة الانهار الذي يعقده مركز البحوث المائية بوزارة الموارد المائية والري
وتهتم كل من وزارتي الموارد المائية والري في مصر، والمياه والبيئة وإدارة الأراضي والتخطيط العمراني ببوروندي بالتعاون الفني في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية، حيث يجري حالياً وضع اللمسات النهائية علي بروتوكول للتعاون الفني والتنموي في هذا المجال ليتم توقيعه في القريب العاجل لدعم وتوثيق العلاقات بين البلدين والشعبين بشكل أكبر، حيث تم إعداد مقترح البروتوكول المشار إليه لتنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية ببوروندي بتكلفة إجمالية قدرها 3،5 مليون دولار لمدة خمس سنوات، من اجل تعظيم الاستخدام الأمثل للموارد المائية وبناء قدرات العاملين في العديد من المجالات ذات الصلة بإدارة الموارد المائية.
ويهدف مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية ببوروندي إلي تحقيق التنمية المتكاملة من خلال رفع المستوي الاقتصادي والاجتماعي للمواطن البوروندي والحد من الفقر في المجتمعات الريفية والحضرية، وكذلك رفع الإنتاجية الزراعية عن طريق الإدارة الرشيدة للمياه وخاصة في مواسم الجفاف، وبناء القدرات في المجالات المتعلقة بالإدارة المتكاملة للموارد المائية، والعمل علي تخفيف آثار وتداعيات التغيرات المناخية (الجفاف- الفيضان) والحفاظ علي الموارد المائية من خلال الإدارة المتكاملة، بالإضافة إلي تحقيق الأمن الغذائي والإدارة المستدامة للأراضي من خلال الاستخدام الأمثل للمياه في إنتاج المحاصيل الزراعية، فضلاً عن الاستفادة من خبرات مصر في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية ووضع إطار وطني لإدارة الموارد المائية ببوروندي.
ويتضمن بروتوكول التعاون، والذي سوف ينفذ بمنحة مصرية، العديد من المشروعات المائية والتنموية كإنشاء سدود حصاد مياه الأمطار وإعداد دراسة فنية لإنشاء وصيانة قنوات لصرف مياه الأمطار، فضلاً عن التدريب وبناء القدرات، بالإضافة إلي إنشاء نقطة مشاهدة كمزار سياحي عند بداية النيل، وذلك بعد إعلان اليونسكو أن نقطة بداية نهر النيل تقع بدولة بوروندي.
ويبقي دور مصر قوياً وراسخاً في أعماق القارة الأفريقية وخاصةً حوض النيل رغم ما شاب هذا الدور من ضعف ووهن خلال الفترة الماضية، إلا أن مصر ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو قادرة علي استعادة مكانتها الريادية والتواصل مع أشقائها في دول حوض النيل، بما يحقق التكامل والتنمية والرخاء لأبناء دول الحوض. كما ان اصرار القيادة السياسية في مصر علي استعادة هذا الدور هو الذي يشجع المسؤولين علي كل المستويات لبذل كل الجهد من اجل تحقيقه.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء