فليعذرني إذا قلت له إن رمضان لم يؤثر في نفسك، وإنما كان بالنسبة لك مجرد مناسبة لا أكثر ولا أقل،

مقالي هذا يأتي بعد أيام قلائل من رحيل شهر رمضان المبارك.
فاللهم لك الحمد علي أن بلغتنا شهر رمضان، وأعنا علي فراقه، وأعده علينا عاماً بعد عام، واجعله شاهداً لنا لا علينا، وتقبل منا صيامه وقيامه، واجعلنا فيه من الفائزين، وكل عام وجميعكم والأمة العربية والإسلامية بخير وسلام، وأمن وأمان.
ما أكثر مواسمنا في بلادنا! وكل موسم له ما يميزه، وللأسف الشديد صارت لأخلاقياتنا مواسم.
ففي رمضان الأخلاق شيءٌ، وفي غير رمضان شيءٌ آخر تماماً- مع العلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام-؛ فهذا الشاب المُعاكس والمُتحرش حينما يأتي رمضان، تجده تحول بقدرة قدير لشاب متدين، كامل الأخلاق، لا يفوته فرض في المساجد، ولا يفرط أبداً في صلاة التراويح، وحينما يمشي في الشارع فعينه لا تتجاوز موضع قدمه في الأرض، فلا تنظر إلي ما حرمه الله! ويُذَكّرُ نفسه دائماً بقول الله تعالي في سورة النور «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَي لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»، وهكذا الحال مع لسانه ويده، وأضعف الإيمان عند هذا الشاب، إن لم يستطع أن يمسك لسانه عن المعاكسة، أو يغض نظره عن الأجساد؛ أن ينام في وقت صيامه؛ فإذا أفطر المغرب مارس هوايته في المعاكسة والتحرش؛ فطبعاً الصيام له حُرمة.
ومن ثم تكون الانطلاقة الكبري للمعاكسة والتحرش في الشوارع والحدائق في يوم العيد؛ فهم يقومون بتعويض ما فاتهم بسبب صيام رمضان.
الرشوة يكاد يُقضي عليها في رمضان ؛فالمرتشي يحافظ علي صيامه في رمضان؛ فالمرتشي عنده أخلاق، ثم بعد رمضان يواصل طريقه في الرشوة التي جعلها منهجاً لحياته.
السرقة تكاد تختفي في رمضان؛ فاللص عنده أخلاق؛ فكيف يفسد صيامه بالسرقة؟! وبعد رمضان يتحول إلي نار تأكل الأخضر واليابس، حتي الأحذية في المساجد لا تسلم من سرقته.
زملاء العمل لا يتوقفون عن الغيبة والنميمة إلا في رمضان، وبعد رمضان ينطلقون كيأجوج ومأجوج ينهشون في الأعراض، ولربما عاد تارك الصلاة لتركه، وآكل الربا لأكله، ومشاهد الفحش لفحشه ، ومن هذه النوعيات كثير.
وهكذا حدث ولا حرج عن أخلاقياتنا، التي صارت موسمية، لها شهر في السنة يمثل فيه البعض علي البعض الآخر، والحقيقة أننا نمثل علي أنفسنا، ومجتمعنا لم يعد يحتمل المزيد من أخلاقياتنا الموسمية.
فليست المسألة في تأثير شهر رمضان علينا بصيامه وقيامه، ونفحاته وروحانياته في الشهر نفسه؛ ولكنْ هلْ هذا التأثير سوف يستمر بعد رمضان بثباتنا علي أخلاق ومعاملات رمضان؟! فمن يغير نفسه فقط من أجل رمضان، ويضع مبادئ ومناهج يطبقها بمجرد رحيل رمضان، فيرمي خلفه كل ذلك ويعود لسابق عهده قبل رمضان؛ فليعذرني إذا قلت له إن رمضان لم يؤثر في نفسك، وإنما كان بالنسبة لك مجرد مناسبة لا أكثر ولا أقل، ومثـلُه في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالي محذراً في سورة النحل «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ»، والسؤال: لماذا لا يكون أثر رمضان فينا بعد انقضائه؟!
والإجابة واضحة وصريحة: ذلك بأنه لم يحقق الهدف الأساسي من صيامه.
إن الهدف الأساسي هو ما ذكره الله تبارك وتعالي في سورة البقرة حينما قال:»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»؛ فالهدف الأساسي هو التقوي، وتعالوا نسأل أنفسنا:هلْ تحققت التقوي من الصيام؟؟
هل اتقينا الله في معاملاتنا هل اتقينا الله في أسماعنا وأبصارنا ؟؟
إذا كانت الإجابة نعم فأبشروا جميعاً بكل خير، فالتقوي مفتاح لكلِ خير،
قال تعالي في سورة الحجرات: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»
وقال تعالي في سورة الطلاق: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»، وقال في نفس السورة: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)».
ورسالة إلي كل من يخاف علي ذريته:عليك بالتقوي.يقول الله تبارك وتعالي في سورة النساء «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)».
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،.