في ظل الظروف السياسية الحالية أمامنا العديد من الفرص التي يمكن الاستفادة منها لإحياء مشروعات التكامل

انتهت بالقاهرة مؤخرا اجتماعات الجمعية العمومية للشركة المصرية السودانية للتكامل وتصدرت اخبارها وسائل الاعلام خصوصا بعد استقبال الرئيس السيسي لاعضاء مجلس ادارة الشركة، لتعود الحياة لحلم قديم بدأ في منتصف السبعينيات من القرن الماضي لكنه تعرض للتعثر والتجمد حتي عادت اليه الحياة مرة اخري بعد لقاء القمة الاخير بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير ليجدد الامل لاهل وادي النيل، الذي ظل علي مدي التاريخ شعبا واحدا في بلدين شقيقين.
وقد وجه الرئيس السيسي في لقائه بأعضاء مجلس ادارة الشركة علي ضرورة ان يكون التعاون والتكامل ليس فقط اعتمادا علي رغبة القيادة السياسية وانما نابع من الشعوب ذاتها، وهي رؤية ثاقبة يضع حجر أساسها زعيما البلدين في اجتماعات اللجنة العليا المصرية السودانية القادمة والتي تضع علي رأس اولوياتها تحقيق التكامل في مجالات الامن الغذائي والاستفادة من موارد البلدين الشقيقين، بهدف دمج اقتصاد البلدين، وتعزيزاً للتعاون البناء الذي يخدم ويساعد علي تطوير وتنمية أواصر المصالح المشتركة وخاصة في مجالات الزراعة والأمن الغذائي، حتي تصبح نموذجاً للعلاقات العربية القومية وكانت توجيهات الرئيس أن طموحات البلدين لايكفيها زراعة مائة الف فدان بل زراعة ملايين الافدنة واقتسام الخير الذي يأتي منها.
وأود ان اؤكد في هذا الصدد ان الأشهر القليلة الماضية شهدت صياغة آلية جديدة للتكامل بين مصر والسودان في مجال الري والزراعة، وسوف تترجم هذه الآلية أثناء الاجتماعات المتتالية للجمعية العمومية لشركة التكامل الزراعي، والشركة السودانية المصرية للانشاءات وهي إحدي شركات التكامل بين البلدين- ومقرها الخرطوم وتقع تحت اشراف وزيري الري بالبلدين وتقوم بتقديم خبراتها في مجال الري والإنشاءات لدفع مسيرة العمل في مشروعات التكامل، ومن المتوقع انعقاد الجمعية العمومية لها خلال الايام القليلة القادمة في الخرطوم.
وقد شهدت الشهور القليلة الماضية نشاطا مكثفا في مجال التكامل بين البلدين. حيث تم ارسال وفد من خبراء وزارة الموارد المائية والري إلي السودان لدراسة مشروعات الموارد المائية في شرق السودان وبالأخص في منطقة الدمازين بولاية النيل الأزرق لتوفير المياه اللازمة لمشروعات التكامل المائي والزراعي بالاعتماد كلية علي مياه الامطار.
كما سيتم المضي قدما في تنفيذ برنامج متكامل لحصاد مياه الأمطار في منطقة الدمازين، وتنفيذ البرامج التدريبية اللازمة لرفع كفاءة الكوادرالعاملة. وذلك من خلال تخصيص مساحة 100 الف فدان بمنطقة الدمازين بولاية النيل الازرق لاقامة مشروعات الامن الغذائي وحصاد مياه الامطار والري التكميلي، إضافة إلي المساحات الأخري المتفق عليها بمنطقة الدمازين.
ويمكن التوسع في المساحات المزروعة بطلب تخصيص مساحات إضافية في المسافة من جنوب سنار حتي شمال الدمازين وهذه المنطقة غنية بالأمطار وتنعم بالأمن مما يمكن بقيام مشروعات زراعية ناجحة ويمكن أن يضاف إليها تربية الثروة الحيوانية وتوفير المياه لها في باقي العام بواسطة الآبار الجوفية واضافة أنشطة صناعية بسيطة في نفس أماكن الزراعة مثل مصانع الزيوت أو ما شابه.
وفي ظل الظروف السياسية الحالية أمامنا العديد من الفرص التي يمكن الاستفادة منها لإحياء مشروعات التكامل من خلال الاستفادة من الامكانيات المتاحة لدي الطرفين وهي كثيرة ومتنوعة فالأراضي الشاسعة والموارد المائية تتوافر في السودان بينما لدينا في مصرالخبرات الفنية المدربة والمعدات وبتكامل الطرفين يعم الخير علي شعبي وادي النيل.
ومن هذه الفرص أيضاً تفعيل «اتفاقية الحريات الأربع» التي تم توقيعها عام 2005 والمتعلقة بحقوق متساوية للمصري والسوداني في الاقامة والتملك والعمل والتنقل، بالإضافة إلي تيسير حركة النقل بين البلدين من خلال الطرق والنقل النهري والبحري والجوي، ولعل افتتاح معبر (أشكيت - قسطل) البري بين مصر والسودان في ابريل الماضي هو خطوة نوعية نحو مزيد من التكامل. كما ان انشاء مجزر حديث علي الحدود المصرية السودانية يعمل بكامل طاقته سيكون له اثر بالغ في زيادة معدلات استيراد اللحوم من السودان.
وسيستمر سعي الدولتين في استمرار مشروعات التكامل علي أسس سليمة حتي يمكن الوصول إلي أفضل انتاجية لهذه المشروعات، اضافة إلي مناقشة العقبات والتجارب السابقة حتي تكون هناك دروس مستفادة وتحقيقاً لآمال الاكتفاء الذاتي من الانتاج الزراعي في إطار ما تمتلكه الدولتان من مقومات طبيعية وبشرية وتكنولوجية.
إن أزلية العلاقة بين الشعبين المصري والسوداني يجب ان توفر مناخاً سياسياً واقتصادياً جيداً يحتم الاعتماد علي تعاون مثمر بين البلدين، يواكب عصر التكتلات الإقليمية ليس فقط كضرورة للبقاء بل لتحقيق التنمية المستدامة لكلا الشعبين.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.