تمكن يرحمه الله وفي زمن وجيز من استعادة ثقة المصريين بل والعرب في الإعلام المصري




في أيام عامرة بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفي العشر المباركات الأواخر من رمضان المبارك، ودّع الرجل الدنيا في هدوء نسمة عابقة بكل روائح العطاء والكفاح، وحافلة بكل روائع الأداء والنجاح..
وترك وراءه إرثاً هيهات لرجلٍ في هذاالعصر أن يأتي ما أتاه، أويقترب من مزاياه.
وكم هو محزنٌ ومؤلمٌ ومؤسفٌ، أننا أمةٌ ألفت المجاهرة بالشكر والعرفان كنوع من التأبين، حين رحيلِ كريمٍ أمين. واعتادت المكابرة والنكران طالما بقيَّ كلُّ عطاءٍ ووفاءٍ حيّاً بيننا يمشي علي قدمين.. أو عكّازٍ أو عكازين. وقد أري لهذا سببين.
الأول : الانشغال بالأحياء رهبةً أو رغبةً..
والثاني : انقراض جينات الوفاء، أو ندرة تكاثرها، في زمن يتساوي فيه العامل والهامل.
وأعرف أنهما لا يستويان عند الله ولا عند العقلاء من الناس.. ولكن نحن بإعلامنا من صنع هذا التداخل ومهَّد لهذا التساوي، حين أهملنا واجب الشكر والثناء، لكل عملٍ مخلص، وعامل معطاء والأدهي من ذلك والأمرّ، أننا نسهم في إلقاء أضواءٍ باهتةً رغم تواصلها علي نماذج لا ترقي لمرتبة المديح، لمجرد هوي أو رغبةٍ أو مصلحة أو منفعة. ونغُضُّ الطرف عامدين عن العاملين والرافضين للمدح، ونحن لا نعلمُ أننا بهذا نسهم في كبح جماح الانطلاق المثمر، ونعين علي انخفاض وتيرة العطاء الذي يصنع التقدم والازدهار، ومع هذا مازالت الحياةُ مليئة بأناس يعملون من أجل الناس، ذلك أن العطاء أمسي إحساساً يملأ دواخلهم وهم لايريدون جزاءً ولا شكوراَ.
تماماً مثل الدكتور عبد القادر حاتم يرحمه الله ويسكنه بفضله فسيح جناته، جزاء ما قدّم لوطنه وللعمل من فكر وصبر وعطاء قلّ له نظير، فقد كان مسئولاً عن وزارات ثلاث في وقت واحد، وكلِّف برئاسة الحكومة المصرية في زمن السادات يرحمه الله إلي جانب وزارته للإعلام في زمن كنا نسميه «النكسة» وكان عليه وهو وزير إعلام ذلك الوقت أن يضع دستوراً جديداً للإذاعة خاصةً والإعلام المصري عموماً، فقد فَقَدَ المواطن المصري حينها ثقته في إعلامه وأعلامه، وتمكن يرحمه الله وفي زمن وجيز من استعادة ثقة المصريين بل والعرب في الإعلام المصري، بل كان صاحب خطة استراتيجية جعلت الإعلام المصري جزءًا من منظومة النصر.
وتمكن ببراعته وعلومه العسكرية والاقتصادية والسياسية والحقوقية من، خداع العدو الإسرائيلي وهو أصل الخداع. وليس هناك من دليل أصدق علي خبرته وحنكته ودقّته في الأداء أكثر من كونه عمل بصدق مع كل الرؤساء دون أن يُحسَب علي واحدٍ منهم.. كان يرغب أن يُحسَب علي وطنه، ولهذا حاسب عليه واحتسب من أجله كل شئ.
ولا أدري كيف لم يشفع له كل ما قدم ليبقي في الذاكرة قبل الموت، قبل أن يصبح خالداً بعده !!
أليس الدكتور عبد القادر هو من أنشأ وكالة أنباء الشرق الأوسط ؟! أليس هو من قام بتشييد مبني «ماسبيرو» العملاق للتلفزيون المصري؟!
أليس هو من أنشأ أكبر المحطات الإذاعية في العالم العربي،وهي إذاعة القرآن الكريم ؟!
نعم الدكتور عبد القادر حاتم «رحمة الله عليه» هو من ساهم في إنشاء مدينة الإعلام، وهو من طوّر الهيئة العامة للاستعلامات.وحين عمِل وزيراً للسياحة أنشأ خمسةً وأربعين فندقاً سياحياً، بل هو من أنشأ مدينة الغردقة السياحية.
وحين كان للثقافة وزيراً أنشأ مدينة السينما والدار القومية للطباعة، وقام بحملة لإنقاذ آثار النوبة، وأمر بنشر سلسلة من الكتب الدورية في مختلف العلوم والمعارف. رحمه الله لقد كان مجلساً للوزراء، ومطلباً لكل الرؤساء.
عرفته يرحمه الله في آخر مناصبه حينما كان رئيساً للمجالس المتخصصة.. هذه المجالس التي تضم كنزاً من العلوم والمعارف، يجد فيها الباحث كل ما يهم مصر في مجالات عديدة وهي وحدها تحتاج إلي مقالة لأن بها ثروة لو نُبِشت ونفض عنها الغبارلكانت عوناً لوضع خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة لمصر خصوصاً في هذه الأيام، مع بعض التحديث.
مع العلم أن هذا المنصب يعتبر بعداً عن الضوء ومنابر المسئولية « أي أنه منصب خفي » ولكنه يرحمه الله جعل منه مركزاً للمعرفة والعلم وخدمة بلده، وهكذا المكان بالمكين أي أن الرجال هي التي تصنع المراكز والكراسي وليس العكس.
أتمني أن يظل اسم الدكتور عبد القادر حاتم اسماً محفوراً في الوجدان، منقوشاً في الأذهان، مكتوباً علي واجهة أكثر من مكان..
رحمه الله وأسكنه واسع الجنان.