مساء يوم 21 / 9 /2015 كنتُ فى مطار القاهرة لاستقبال ابنتى العائدة من لندن وشاهدتُ ولمستُ عن قرب ما لا يمكن قبوله أو السكوت عنه.. رأيتُ كيف يُلطِخُ موظفون مستهترون صورة بلدهم ويقدمون نموذجاً للفساد والتسيب من شأنه ليس فقط تدمير السياحة وإنما هدم الدولة بأسرها.. يعود المصرى إلى وطنه محملاً بمشاعر وأشواق لا يعرفها إلا مَن كابدها.. ويرقص قلبه فخراً وخشوعاً عندما يقرأ على بوابة مصر ∩اُدخلوها بسلام آمنين∪.. ولكن الآية تنقلبُ تماماً فور تجاوزه عتبة الدخول.. إذ تصدمه صورة لفوضى عارمة وفاضحة.. سيجد ∩سويقة∪ تتداخل فيها الأصوات واللغات كبرج بابل.. ومنظومة ∩تعذيب ممنهج∪ تبدأ بطوابير طويلة لا ينقذه منها سوى أن يكون له ظَهرٌ يحميه من الضرب على بطنه!!.. وفى منطقة الجوازات، تبلغُ المهزلة ذِروَتها.. إذ تكتشف أن ∩كُشُكَين∪ فقط من بين خمسة أو ستة أكشاك يعملان بينما بقية الأكشاك خاوية لأن السادة الضباط فى الإستراحة أو يتسكعون فى مكان ما.. وتُفاجأ بأشخاص يقتحمون المكان رافعين لافتات تحمل أسماء عربية وأجنبية وينادون على أصحابها بأصوات مزعِجة ومنكَرَة تثير دهشة واستنكار الأجانب وتدفع بحمرة الخجل إلى وجوه المصريين .. صورة للفساد والمحسوبية والتخلف ستؤدى إلى عواقب لا تُحمد عقباها ما لم نتحرك فوراً لعلاجها.. والطامة الكُبرى أنه انطباع أول يبقى مع مَن يزورنا إلى الأبد، وقد يجعل الزيارة الأولى هى الأخيرة..
هبطت طائرة مصر للطيران قبل موعدها المقرر، وتلك ميزة لابد من تسجيلها للشركة فضلاً عن أداء طياريها المُبهِر فى الإقلاع والهبوط.. ولكن انتظارى خروج ابنتى طال كثيراً فهاتفتها لأكتشفَ أن هناك طابوراً طويلاً فى الصالة الداخلية يتحرك ببطء شديد ومثير للأعصاب.. ومن موقعى على باب صالة الوصول رأيتُ ما لا يقل عن ثمانية من موظفى الجمارك يجلسون فى استرخاء مستَفِز يتسامرون ويتبادلون النكات غير آبهين بمعاناة وتذمر ضيوف لا أشك فى أنهم كانوا يلعنون اليوم الذى جاء بهم إلى بلد يتفنن أبناؤه فى تشويه سمعته!!..
وهنا انتفض بداخلى ∩المواطن الصالح∪ ووجدتنى أصرخ بكل ما أوتيتُ من قوة فى موظفى الجمارك متسائلاً ∩ماذا تفعلون يا باشوات.. أنتم بلا ضمير لأنكم تدمرون سمعة بلدكم.. كيف تجلسون هكذا وتتركون الناس تتعذب فى هذا الطابور الطويل∪؟.. قلبت صرخاتى المطار رأساً على عقب ولم يجرؤ أى من موظفى الجمارك ورؤسائهم على الرد على كلامى ∩الجارح∪ لأنهم ضُبطوا متلبسين بجريمتهم، بل اندفعوا يهرولون هنا وهناك فى رعب وفزع.. وخلال دقائق تحول ∩الكاونتر∪ إلى اثنين، وتحرك الطابوران بسرعة مُدهشة وعلمتُ فيما بعد أن معظم المسافرين تُركوا يخرجون دون تفتيش؟.. وعندما خرجت ابنتى أبلغتنى أن أول صدمة تلقاها الركاب لدى دخولهم المطار هو اكتشافهم أن السلم الكهربائى معطل.. وكان ذلك بمثابة ∩الكُفرُ∪ فى أول القصيدة!!..
هذه ببساطة ووضوح صورة نمطية للتسيب والاستهتار وغياب الضمير تتكرر يومياً فى المطارات والموانيء والمنافذ الجمركية وغيرها من مؤسسات الدولة.. وإذا أضفنا إليها مظاهر الفساد الأخرى بالمطار كالرشوة والمحسوبية والفهلوة ومهازل التصاريح الخاصة وفتح صالات كبار الزوار لكل من هب ودب، ناهيكَ عن الثغرات الأمنية القاتلة، نكون بإزاء أعراض سرطان اسمه فشل الدولة أو الدولة الفاشلة سيقود لا محالة إلى ما هو أخطر من الإرهاب وكارثة الطائرة الروسية.. وأعنى المساءلة والحماية الدولية!!.. ويتعين الإعتراف بأن مثل هذه الأعراض هى التى جعلت الكثير من المصريين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً ورعباً من عواقب هذا الفساد والفشل الإدارى المزمن على تشغيل وسلامة وأمان مشروعات ∩الغلطة الواحدة∪ مثل مفاعل الضبعة النووى.