كان أبي رحمه الله يخصني بالكثير من الوصايا من واقع خبرته في الحياة، كان يقول معرفة الرجال كنوز، وكان يقول: ثلاثة لا تصاحبهم ولا تعاديهم الطبييب والضابط والمحامي، وكنت أتعجب كثيرا فقد كانت تجمعه معارف بالأصناف الثلاثة وكنت أري حجم الإحترام والتقدير المتبادل بينهم لكنها فعلا لم تكن صداقة حميمية بل كانت تخضع للظروف وظل سر الوصية مختزلا في ذاكرتي حتي أبدت لي الأيام ما كنت به جاهلا، ففي إحدي القري المجاورة لقريتنا طبيبان أحدهما إخواني من منبت الرأس إلي أخمص القدمين وهو لا يتردد لحظة في إغاثة ملهوف واعتاد الناس استدعاءه حتي في الفجر فيقبل مسرعا.. وفسره البعض بأنه نوع من الدعاية الإخوانية والله أعلم بما في الصدور.  أما الطبيب الثاني فمن أسرة صوفية يحبها كل أهالي القرية رغم رحيل أكابرها عن الحياة، لكنه يتخذ مسلكا كره الناس فيه وفي الطب وفي الصوفية، ورغم مهارته في الطب إلا أن له طقوسا غريبة.. فأجرة الكشف مقدما حتي ولو كنت ابنه أو أخاه، وعيادته تفتح أبوابها ساعتين فقط تبدأ بعد صلاة العشاء فإذا انقضت الساعتان يستحيل استقبال مريض جديد حتي ولو كان يصارع الموت علي باب العيادة، وإذا صعد شقته لا يخرج منها ولا بالطبل البلدي، وذات مرة مرضت عجوز واشتد عليها الألم بعد منتصف الليل فحملها أبناؤها إلي عيادة ذاك الطبيب التي تقع أسفل مسكنه وظلوا يدقون الجرس ويطرقون بقوة باب المنزل المغلق بجنزير حديدي ضخم فلم يجبهم أحد حتي أصابهم اليأس فانصرفوا بأمهم للمستشفي وأيديهم علي قلوبهم خوفا من موتها في الطريق.. وأقسم أصغر الأبناء أنه لو حدث لأمه مكروه ليحطمن هذا الباب اللعين باللودر ولكن الله سلم.. هذا لا يعني أن كل الأطباء سيئون بل فيهم الكثير من النماذج المشرفة منهم الدكتور أحمد عبد السلام مدير العيادة الطبية بأخبار اليوم صاحب الخلق الكريم والخبرة الفائقة في تخصصه بأمراض الباطنة والكبد والدكتور البارع سامي عبدالله استشاري الكبد الذي حببني في الأطباء بعد أن كنت كرهت لقاءهم كراهية الأولياء لمشتقات الخمور.. دخلت عليه وأمامه مريض يضرب الأرض بقدميه ويزمجر بصوت مزعج معترضا علي طلب الطبيب منه بعض التحاليل وحقنه بالإنترفيرون بنفسه معتبرا ذلك تخوينا له، كان الطبيب هادئا مبتسما وفي النهاية قال له إن شئت ابحث عن طبيب غيري فقلت حقا عندما يتغابي المريض فعلي الطبيب أن يكون حكيما