لم يكد يمر علي تطبيق قانون تأميم الصحافة ونزع ملكيتها الخاصة من اصحابها عام ١٩٦٠ سوي عشر سنوات إلا وفوجئ الوسط الصحفي بصدور قانون جديد لنقابة الصحفيين عام ١٩٧٠وتم نشره بالجريدة الرسمية في ١٧ سبتمبر ١٩٧٠ أي قبل وفاة الرئيس جمال عبدالناصر بـ١١ يوما.
شارك في اعداده نخبة من الصحفيين الثوريين الاشتراكيين من أهل الثقة، الذين باركوا القانون الجريمة، وقالوا عنه أنه هدية من الزعيم القائد للجماعة الصحفية.
ولقد جاءت معظم مواده محققة لرغبة القيادة السياسية والهدف منه أنه لا صوت يعلو فوق صوت الحاكم بعد هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ النكراء.
وتعتبر مواده سة  في جبين من شاركوا فيه وصاغوه، فالمواد ٣٢ و٩٧و٩٩ تطرد اصحاب الفكر والقلم من العمل في الصحافة في مؤسساتهم وفي غيرها في الداخل والخارج عند بلوغهم السن القانونية للمعاش، مع أن الفكر لا يحال الي المعاش إلا في البلاد المختلفة.
واذا شاء الحظ العاثر، وتقاضي الصحفي معاش النقابة، فقد كتب علي نفسه شهادة وفاته، وهو لم يزل علي قيد الحياة، مع أن معاش النقابة حق لكل صحفي، فقد دفع اقساطه الشهرية، وعلي مدي ٤٠ عاما وليس منحة من احد، واكثر من هذا ينقل اسمه من جدول المشتغلين الي جدول غير المشتغلين واذا ثبت انه يعمل في الخفاء تتخذ النقابة الاجراءات القانونية لاعادة ما سبق صرفه بدون وجه حق.
كما ان الذي يتقاضي معاش النقابة ليس من حقه الترشيح لمجلس ادارة النقابة، والادلاء بصوته أو حضور الجمعية العمومية عند مناقشة القضايا المهنية، باعتبار انه اصبح في عداد الاموات.
ولا تجد مثل هذه القسوة في قوانين النقابات الاخري، بل ان بعض النقابات تخصص مقعدا لاصحاب المعاشات وشيوخ المهنة، وأسألوا نادي القضاة والمحامين، المجاورين لنقابة الصحفيين، مع رواد مهنة الصحافة دفعوا من دمهم وعرقهم وفكرهم عمرهم، دفاعا عن حق الشعب في الحياة، والعيش الكريم، وكانوا طلائع التنوير والتثقيف وأزاحوأذي التصحر الفكري عن العقول، حتي لا تسقط الاجيال الجديدة في براثن الجهل والتخلف.
لقد وقع قانون نقابة الصحفيين في تناقض مع دستور البلاد الذي يؤكد علي حق المواطن في العمل والترشيح والانتخاب في الانتخابات البرلمانية والعمل دون النظر الي السن ولم يفرق بين شاب وشيخ وسيدة وفتاة.
والشيء المحزن بل والمخزي ان تلوذ مجالس ادارة النقابة والنقباء بالصمت، فلم يسمع لهم صوت لازالة هذا العار من قانون النقابة باعتبار ان شيوخ المهنة، بحكم القانون الجريمة، ليس لهم صوت في الانتخابات.
والجريمة الاخري ان النقابة رفضت ادراج اسماء المحالين للمعاش في كشوف صرف بدل التكنولوجيا الذي يتم صرفة للعاملين، صحفيين واداريين الذين لم يبلغوا سن الستين، مع أن هذا البدل لا دخل للنقابة فيه لانه تمويل من الحكومة ووزارة المالية.
وكنت أرجو ان يقف شباب الصحفيين علي سلالم النقابة ينددون بالقانون رقم ٧٠ ويطالبون بتغيير هذه المواد المخزية، وان يعيدوا لرواد وشيوخ المهنة حقهم في الحياة والعيش الكريم بعد عمل شاق في بلاط صاحبة الجلالة، وخرجوا منها صفر اليدين، مع ان الكل آت الي هذا المصير طوعا أو كرها وفق مشيئة الله سبحانه وتعالي.. وان يستمروا في وقوفهم كما يفعلون في الامور الجادة والهايفة، ولكن من يقرأ ومن يسمع ومن يفهم،ولله الامر من قبل ومن بعد، والحديث موصول