"التكفيريون" يكفروننا وهم يرتدون ثوب الإيمان ويلبسون الباطل لباس الحق.. أما "التخوينيون" فيخونوننا وهم يرتدون ثوب الوطنية وأيضا يلبسون الباطل لباس الحق.
"التكفيريون" نعرفهم ونأخذ حذرنا منهم ونحاربهم، أما "التخوينيون" فأغلبنا لا يعرف حقيقتهم، يعيشون بيننا ويطلون علينا عبر شاشات الفضائيات وعبر مختلف وسائل الإعلام.. إعلاميون ومشاهدون، مواطنون ومسئولون،لجان إلكترونية مؤيدة، ولجان إلكترونية معارضة، يدعون الشرف والفضيلة والوطنية ويطلقون الاتهامات بالتخوين في كل الاتجاهات، يسيرون في طريق تقربهم إلي الحاكم علي جثث الشرفاء..ويسيرون في طريق معارضتهم للحاكم أيضا علي جثث الشرفاء.
التخوين سمة من سمات الاستبداد، والتكفير سمة من سمات الاستبداد، "التكفيري" عدو نعرفه، و"التخويني" عدو نجهله، وما بين تطرف يرتدي عباءة الدين، وتطرف يرتدي بيادة الوطنية ينزلق الوطن في منحدر السقوط إلي هاوية سحيقة لا عودة منها.. مشاهد الإدانة والتلفيق أصبحت أهم من الحقيقة، ومشاهد الاتهامات الجزافية أصبحت أهم من الدلائل.
تحولنا إلي مشهد من مسرحية "ساحرات سالم " للكاتب الأمريكي آرثر ميلر، فمنذ أكثر من 60 عاماً أخبرنا آرثر ميلر عن قرية أمريكية في القرن السابع عشر كانت رمزاً للهيستيريا الجماعية والانقياد القضائي وغياب العدالة، مجتمع تحول إلي مجموعة من المخربين والتهم جاهزة بدءا من إدعاء الشعوذة مرورا بالتخوين وانتهاء بالتكفير.
نخب دينية وسياسية وثقافية تنتهج منهج الفساد والنفاق والكذب واجهها آرثر ميلر بلسان بطل مسرحيته "جون بروكتور" قائلا :" أقدام إبليس تطن في أذني.. ووجهه القذر يطل أمام عيني.. لتحل علي جنسنا لعنة الله.. نحن الجبناء الذين نضعف.. كما ضعفت أنا وكما ضعفتم انتم.. إذ تعلمون في قرارة نفوسكم مقدار ما أنتم فيه من كذب وبهتان.