تأملت طويلا صورة الصحفي الأمريكي الأول الذي قطع رأسه، موثق اليدين من الخلف. يجثو علي ركبتيه، لحظة استثنائية بكل المقاييس، هذا الإنسان سوف يفارق الحياة بعد لحيظات، من الممكن أن يواتي الموت الإنسان بغتة، بعد ثانية، بعد جزء من الثانية، لكن من لطف الخالق إنه ما من نفس تعلم متي منتهاها، لا اللحظة ولا المكان الذي سيتم فيه طوي الأجل. لكن هذا الإنسان، هذا البشر، أخونا في النوع، في الجنس. في المشاعر. يعلم عندما تم تركيعه هكذا، أنه سوف يذبح. سوف يفارق الحياة بعد لحيظات معدودات، يعرف، يعرف. خلفه يقف داعشي، طويل، عريض، شاهرا السكين الذي سيجتز بها الرأس، المفارقة أن الجلاد، السفاح، يخفي ملامحه تماما، يلتحف بالسواد، يغطي وجهه بقناع. فقط عيناه تطلان علي الضحية، المفارقة هنا ان القاتل يخفي ملامحه خشية من مجهول ما، أما الضحية فمكشوف الملامح، بل إنه هادئ الملامح، لا يتوسل، لا تبدو عليه علامات الانهيار، تذكرت الثبات الذي خطا به صدام حسين نحو المشنقة، وصوته القوي أثناء تلاوة الشهادة، لا شيء يكشف داخل الإنسان مثل الصوت، لذلك يطلب الطبيب من المريض أن يقول »آه»‬ ومن خلال الآه الممتدة يقرأ العمق وقد يصل إلي التشخيص. ما يعنيني هنا الإنسان، أيا كان. الإنسان في معناه وتكوينه إذ يواجه المصير المحتوم، الصحفي الأمريكي كان هادئ الملامح. تري.. في ماذا كان يفكر؟ هل كان يسدد البصر إلي منظر معين؟ إلي شيء محدد؟ هل كان يفكر في أهله. في حبيبة بعيدة، في طفله، أقدر من وصف هذه اللحظات واحد من أعظم الروائيين، أسميه السيد الرئيس،رئيس الروائيين كافة، أعني فيودور ميخائيلوفتش دستوفيسكي في رواية (الابله) يصف بدقة مذهلة، لأنه هو نفسه مر بهذا الموقف، عندما حكم عليه بالإعدام، وصل إلي المقصلة، سمع حركتها قبل أن تهوي وهنا جاء عفو القيصر في اللحظة الفاصلة واستبدال الإعدام بالسجن والنفي، النتيجة اصابة دستوفيسكي بصرع لازمه حتي الموت. ثمة تجارب لا يمكن الكتابة عنها إلا من خلال المرور بها. مواجهة الموت.الحب، السجن. الصحفي الأمريكي كان شجاعا في لحظة النهاية. هل كان يخشي الألم. يقول دستويفسكي أن الرأس المقطوع يري انفصاله ويعي لثوان قبل أن يسود الظلام، أتعاطف مع هذا الصحفي وزميله والجنديين اللبنانيين. وكل من أقدم الداعشيون علي اعدامه بدون محاكمة. انتظرت من نقابة الصحفيين أن تصدر بيانا تحتج فيه علي اعدام زميل كان يؤدي واجبه المهني وقتل غدرا، أسفت لوجود جمعيات تصدعنا بالحديث عن حقوق الإنسان ولا تستنكر قطع رءوس البشر الأبرياء أيا كانت جنسياتهم أو ديانتهم. الصمت ممالأة للإرهاب، ومن يصمت الآن قدتقطع رأسه بعد حين.