الأمن القومي لمصر يبدأ وينتهي الآن بضرورة الحفاظ علي الدولة ومؤسساتها الرئيسية التي أنقذتها من السقوط بعد يناير ٢٠٠١، وفي مقدمتها الجيش. تماسك الدولة وتقويتها والتفاف الشعب حولها هو بؤرة الوجود الآن، وهو الذي يوقف التغيرات السلبية الخطيرة في العالم العربي والتي تتمثل في تدمير الدول ـ وليس الأنظمة ـ تحت مسمي خادع وكاذب اسمه الربيع العربي، وفي حقيقته الجحيم العربي. ما يجري في ليبيا، وسوريا، واليمن، ومن قبلها العراق أمثلة قوية، حية حولنا وتتهددنا. تدمير الجيش العراقي ومطاردة قياداته وكوادره كان البداية لتمكين داعش، جري هذا بعد الغزو الأمريكي الذي يتضح الآن أنه لم يكن يستهدف العراق فقط ولكن الوطن العربي كله وفي القلب منه مصر، لذلك يجب الانتباه جيداً إلي أي محاولة أو دفع بمصر إلي المشاركة العسكرية البرية خارج مصر، مقاومة الإرهاب في الشرق الأوسط كله تبدأ من مصر بشرط أن تكون قوية، وفي القلب من حضورها ووجودها الجيش. لقد قلب الخروج الأسطوري للشعب المصري خلال ثورته العظمي في الثلاثين من يونيو مخطط الفوضي المدمرة والذي حاول مدبروه استغلال عدم وجود قيادة وإطار تنظيمي لثورة يناير التاريخية والتي جاءت بعكس ما تهدف إليه بتمكين الإخوان من السلطة، غير أن حيوية المصريين والوعي الجماعي الذي حل مكان فراغ القوي السياسية، والتقاء الجيش بالشعب أدي إلي نقطة تحول جوهرية في الموقف كله ماتزال تدير رأس الإدارة الأمريكية الحالية ومن والاها، لذلك يجب الحذر الشديد من أي دعوة لمشاركة عسكرية مصرية ضد داعش أو من شابهها. لا أستبعد أن مثل هذه الدعوة قد تكون حلقة في محاولة إسقاط الدولة المصرية وهذا هدف من الواضح أنه لم يختف بعد من خطط الإدارة الأمريكية. مقاومة الإرهاب كله وليس داعش فقط يجب أن يكون من خلال الرؤية المصرية والظروف المصرية وليس من خلال رؤية الإدارة الأمريكية أو حلف الأطلنطي الذي بدأ تدمير ليبيا بإذن من الجامعة العربية - وقت الأمين العام السابق عمرو موسي -  وها هو العالم العربي عامة ومصر خاصة تدفع الثمن لموقف يذكر بملوك الطوائف الذين فتحوا الطريق لنهاية العرب في الأندلس باستعانتهم بالأجنبي وقتئذ. مصر في حرب حقيقية ومصيرية الآن ضد الإرهاب، داعش مجرد عنصر من عناصر عديدة تشكل مفهوماً واحداً، لا فرق بين الإخوان وداعش وبوكوحرام، وجماعات ليبيا الإرهابية، وما يجري في السودان. لنتذكر أن مصر تمر بمرحلة مختلفة تماماً عن جميع مراحل تاريخها الممتد لآلاف السنين، لأول مرة تصبح الدولة هدفاً للإسقاط، والخطر ليس في الشرق وحده، إنما من الغرب والجنوب، قوة الداخل ثم قوة الداخل، الجيش والشعب معاً. الحفاظ علي الجيش الذي يحارب علي أكثر من جبهة ضد الخطر الجديد من الداخل، من الغرب، من الجنوب، هذا هو جوهر الأمن القومي الآن.