قالها بمنتهي الوضوح والثقة وبالفم المليان: «نعم نحن نساند رئيس الجمهورية، فول ستوب»! (علامة التعجب من عندي) وواصل: «لكن هل نساند الحكومة ؟ لا بلا جدال. نحن نختلف ونتوافق مع الحكومة حسب أدائها». هكذا أعلن اللواء سامح سيف اليزل المنسق العام لائتلاف دعم الدولة المصرية وأوفر المرشحين حظاً حتي الآن لزعامة الأغلبية البرلمانية، في لقائه التليفزيوني مع الإعلامي شريف عامر. هذه التوضيحات وغيرها جاءت علي لسان المنسق العام للائتلاف لإزالة أي التباس وللرد علي الانتقادات المتعددة التي نالت تسمية هذا الائتلاف الجديد والاتهامات التي وجهت له بالشمولية والإقصائية.. لكن علي هامش هذه المناقشات لفتت نظري العبارة السابقة والتي نقلت انطباعاً لدي الكثيرين من أمثالي البسطاء بأن ائتلاف دعم الدولة المصرية هو في حقيقة الأمر ائتلاف لدعم الرئيس، وانه - بالفعل - الظهير البرلماني للرئيس. وعلي الرغم من أن سيف اليزل تجاوز الرد بمنتهي الحنكة المألوفة منه عن سؤال بهذه الصيغة، فقد كان من الصعب عدم التوقف أمام هذه العبارة التي تعكس مفهوماً ملتبساً لدي أصحاب الائتلاف عن «الدولة» و»الرئيس»، وغياباً للحد الفاصل المعروف في العلوم السياسية بين مفهوم «الدولة»، و»الحاكم».
أخشي ان كل ما يمكن استنتاجه من الكلام السابق هو أن الدولة والرئيس متلازمان في ذهنية أصحاب الائتلاف إلي الحد الذي يمكن اعتبارهما كياناً واحداً أو انهما علي أقل تقدير وجهان لعملة واحدة. ولو صح ذلك لكانت عودة مؤلمة إلي ما قبل ثورتي يناير ويونيو. حين كانت معارضة الرئيس تفسر بأنها معاداة للدولة المصرية وليس مجرد معاداة للنظام.
ولأن الدساتير والقوانين لا ينبغي أن تفصل علي مقاس الحاكم مهما بلغت شعبيته، فإن هذا المفهوم الذي يعلنه أصحاب الائتلاف بأن الرئيس هو المعادل الموضوعي للدولة يصادر علي حق انتقاد الرئيس أي رئيس، لأن معارضته ستعني تلقائياً مخاصمة الدولة.. الأنكي من ذلك ان هذا المنهج حين يؤخذ مأخذ الجد يبعث برسالة خاطئة وخطيرة مفادها أن ثمة خوفا حقيقيا علي شعبية الرئيس السيسي وأن أصحاب الائتلاف يتكتلون في البرلمان لحماية ظهره! ولو تفضل بعض أعضاء هذا الائتلاف برفع أيديهم عن الرئيس وكفوا عن الحديث باسمه أو الدفاع عنه في معارك مفتعلة لا أساس لها لأراحوا واستراحوا. وهاهو رئيس أكبر الأحزاب الفائزة في البرلمان يفسد هذه الخطة الإقصائية التي لا تخلو من التعالي حين كتب المهندس نجيب ساويرس في مقاله الأخير بالأخبار أن موقف حزب المصريين الأحرار(الذي لم ينضم للائتلاف) هو دعم الرئيس حتي لو أخطأ إيماناً من الحزب بأن مرحلة البناء التي يمر بها الوطن تستدعي التكاتف.. كما إن كلام السيد سيف اليزل عن الموقف من الحكومة يشبه كثيراً حديث السيد زكريا عزمي في برلمان 2010 عن المعارضة من الداخل (داخل الحزب الوطني).
في أول برلمان بعد ثورة يونيو لا يجب علي نجومه استدعاء ذكريات أليمة إلي أذهان الشعب. وليتذكروا أنهم ماداموا ألصقوا أنفسهم بالرئيس فإن هفواتهم وزلات ألسنتهم ستحسب عليه هو، ومن غير المنطقي أن يخرج الرئيس كل يوم ليتبرأ من تصرف أو تصريح لأحد رجاله، أو ليصلح ما أفسده الآخرون.
وكأنك يا محلب ما غزيت
الفوضي المرورية أصبحت لا تطاق. المسألة لم تعد أزمة تكدس مروري بقدر ماهي غياب الانضباط وغياب رجال المرور وغياب الضمير مع اختفاء السلطات الإدارية المسئولة. منطقة بولاق أبو العلا وشاع 26 يوليو أصبحت نموذجاً صارخاً للفوضي وانتهاك القانون والفتونة التي اصبحت دستور الباعة الجائلين وسائقي الميكروباص والتكتك.
في أواخر الحكومة السابقة برئاسة المهندس ابراهيم محلب توصلت الحكومة بعد لأيّ إلي حل وسط يفترض أنه يرضي جميع الأطراف ووفرت مساحة هائلة في جراج الترجمان لفرش الباعة ونزلت علي رغباتهم وضغوطهم فنقلت موقف الميكروباص إلي جوارهم لتسهيل وصول الزبائن من موظفي الشركات المجاورة.
بعد تغيير الحكومة عادت الفوضي تضرب أطنابها وسط غياب تام للرقابة المحلية. تواكب ذلك مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية وتساءل الناس عن العلاقة بين هذا التساهل الحكومي وبين الرغبة في تمرير الانتخابات بسلام، وعن الصفقات والوعود التي قد يكون المرشحون قطعوها علي أنفسهم لصالح هؤلاء الباعة. الآن وبعد أن انتهت الانتخابات وعرفت كل دائرة نوابها وممثليها في البرلمان بقي الوضع المزري علي ما هو عليه وظلت أسئلة الناس حائرة عن غياب الدولة وارتعاش أيدي الحكومة وعن المسئولية المجتمعية التي ينبغي ان يتحملها نواب الشعب في إقناع ناخبيهم باحترام القانون، وفي مساندة الحكومة في فرض النظام. «نفسي أعرف هؤلاء الناس ماسكين إيه علي الحكومة»؟.