الكلام في السياسة أصبح ثقيل الدم.. شأنه شأن الأخ أبو حفيظة وتلك «الدميمة» أبلة فاهيتا ولهذا فسوف ننسي السياسة ومشاكلها وبلاويها ونحكي عن صنف نادر وعظيم من البشر زينوا وجه الحياة في بر مصر ولو ظهر أحدهم في بلاد الخواجات لعملوا له مهرجانات وأقاموا احتفالات وصنعوا تماثيل ولكن لأنهم جاءوا في بلادنا فسوف ينطبق عليهم قول أبو العلاء أولي الفضل في أوطانهم.. غرباء.
ومن أولي الفضل في مجال الأدب والكتابة الساخرة مأمون الشناوي الرجل الذي أصدر صحفا ومجلات ساخرة أو شارك فيها وكان له الفضل في اكتشاف مواهب عظيمة من الصنف النادر التكرار وعن مأمون الشناوي وجد السعدني الكبير ضالته المنشودة فقد ذهب ذات يوم وطلب مقابلته والغريب أنه لم ينتظر خارج مكتب العم مأمون لأكثر من دقيقة واحدة وعندما دخل عليه سأله العم مأمون.. اسمك إيه يا ابني فرد محمود السعدني.. فقال له الشناوي.. تعالي يا سعداوي.. أقعد هنا.. وأجلسه علي الكرسي المواجه لمكتبه واعطاه ورقة وقلما وقال له.. انت بتعرف تكتب.. فقال السعدني أمال أنا جاي هنا ليه.. طلب إليه مأمون الشناوي أن يكتب بعض الخواطر علي صفحة واحدة..
وامسك السعدني بالورقة والقلم وعلي الرغم من أنه شعر بأن الامر تحول إلي امتحان فزادت ضربات قلبه وتشتت أفكاره إلا أنه كتب ما طلبه مأمون الشناوي ولم يكن السعدني راضيا عما كتبه - وأمسك مأمون الشناوي بالورقة وقرأها.. ثم كرمشها في يده.. وهنا انتابت السعدني لحظة غضب وازداد وجهه اسمرارا فهو عندما يكتم غيظه يزداد سمرة.. ويلقي الشناوي بالورقة في سلة المهملات.. وهنا أدرك السعدني أن مهمته فشلت وهو يقوم ليغادر المكتب سأله مأمون الشناوي رايح فين.. فقال السعدني ح «أروح» وسأله الشناوي انت منين يا سعداوي فأجاب من الجيزة.. ويعود الشناوي للسؤال .. منين في الجيزة.. فيقولها السعدني من طرف مناخيره.. من حارة سمكة فيضحك مأمون الشناوي وهو يقول.. تفتكر يا سعداوي علشان المجلة بتاعتنا توصل لحارة سمكة إيه المادة اللي ممكن نحطها فيها.. وعلي الفور قال السعدني.. ساندويتش فول.. فضحك الشناوي من أعماقه.. وقال أنت من بكرة ح تمسك صفحة الحوادث وح تبقي المسئول الأول والأخير عنها.. وهنا اندهش السعدني وقال.. بس الكتابة ما عجبتكش فقال مأمون الشناوي.. انت ح تبقي مشروع كاتب ساخر يا ابني.. وسلم السعدني علي الشناوي بحرارة وكأنه يعرفه من ألف سنة فقد شعر أنه نال شهادة البكالوريا.. وبالفعل أحس أنه وهو في طريق عودته إلي حارة سمكة أنه لا يمشي علي الارض ولكنه يطير عليها.. وكانت أول حادثة يكتب عنها السعدني عن المرأة التي أكلت «دراع» جوزها بعد أن اكتشفت خيانته لها مع جارتها.. ثم أعقب ذلك باللحمة اللي اتكلمت وهي تعاني الحريق بعد أن وضعتها صاحبتها فوق «الوابور».. وأطلق السعدني العنان لخياله الخصب وقام بتأليف كل الحوادث التي وجدت طريقها إلي النشر وانهالت عليه خطابات القراء يسألون عن أبطال هذه الحوادث وكيفية الوصول إليهم.. وكان أول من أدمن قراءة حكاوي السعدني هو مأمون الشناوي الساخر العظيم والذي أطلق عليه السعدني لقب «الشاخر» العظيم وقد أدرك العم مأمون أن الحوادث التي يكتبها السعدني لم تقع إلا في خيال كاتبها وذات يوم استدعي الشناوي السعدني وأمره بأن يكف عن كتابة وتأليف الحوادث وأن يتجه إلي مأمور الازبكية لكي يطلع علي دفترالحوادث ويعيد صياغتها وينشرها في باب الحوادث..
ونفذ السعدني ما طلبه الشناوي.
وليته.. ما فعل!