فكان السعدني خير ونيس له في مرضه وهكذا مرت الثلاثة أشهر وقد اصبح الوحش البشري من أرق الناس واحبهم مع السعدني

وذهب السعدني الي مكتبه بعد ان قابل مأمون الشناوي وكان المقر الذي تشغله المجلة او الجريدة «الستار» في شقة في عمارة بشارع ووبريه وسط القاهرة وكان الشارع في هذا الزمن شديد الزحام كما هو حال القاهرة علي الدوام.. وكان علي السعدني ان يحضر الي المجلة بعد الساعة الواحدة حيث ان الوحش البشري قد حددوا له المجيء في العاشرة صباحاً والمغادرة في تمام الثانية عشرة ودخل السعدني وجلس الي صلاح حافظ وداعبه ومازحه كعادته ولكن السعدني اكتشف الفزع مرسوما علي وجه صلاح حافظ فنظر السعدني خلفه فإذا بالوحش الكاسر ممسكاً بالشومة وقد رفعها للاعلي في انتظار القضاء علي السعدني والانتقام من المقلب الذي اصبح يتندر به القريب والغريب وفي نفس اللحظة التي هوت فيها الشومة كان السعدني قد اطلق لساقيه العنان وانطلق كما الحمام الزغاليل يقفز من فوق الكراسي والمكاتب والبشر ليخرج الي الشارع والرجل المتوحش وراءه ولكن ما أبعد الفارق في اللياقة صحيح الرجل المتوحش يمتلك قوة «ثور» ولكن حركته اشبه بحركة فيل اصابه العجز بينما السعدني لا يملك من اسباب القوة سوي لسانه السليط وخفة دم منقطعة النظير ولياقة بدنية فشر الغزلان وهكذا كتبت النجاة للسعدني ولكن الرجل رأسه وألف سيف ان يلحق به ويدمر رأسه.. وبسبب الرغبة الدفينة في الانتقام دفع الرجل الوحشي الثمن غالياً.. فقد لطشته سيارة مسرعة.. وكانت الخسارة فادحة ليس للوحش البشري ولكن للسيارة فقد تحطمت تماماً وبينما وقع الوحش البشري في نهر الطريق وحضرت الاسعاف ونقلوه الي مستشفي القصر العيني واكتشفوا ان ساقيه تعرضت للكسر المضاعف وامضي الرجل في المستشفي ثلاثة اشهر كاملة كانت كفيلة لكي يزيل السعدني اسباب الكره الشديد الذي تربي داخل الرجل فكان السعدني خير ونيس له في مرضه وهكذا مرت الثلاثة أشهر وقد اصبح الوحش البشري من أرق الناس واحبهم مع السعدني وطلب منه ان يتوسط لكي يجددوا عقده مع الجريدة (الستار) ولكن الجريدة نفسها كانت قد اغلقت ابوابها واصبح السعدني حاله حال الوحش البشري كلاهما ذهب ليبحثا معا عن مكان جديد وقصة جديدة ومغامرات اكثر سخونة.. ولكن الرجل الوحش مل من البحث وترك السعدني وحيدا.. وكانت مصر في هذه الفترة من العام 1951 علي موعد مع شييء مجهول.. يشعر به الجميع ولكنهم لا يستطيعون الوقوف علي حقيقته وهو الامر الذي دعا شاعرنا الجميل مأمون الشناوي يكتب ازجاله الرائعة التي حفظها الناس علي المقاهي وفي الصالونات علي السواء يصف حالة التوهان التي تنعم فيها البلاد في هذا الزمن. عندما كتب
يا ترسملونا.. ياتبلشفونا
لتموتونا.. وتخلصونا
احنا اللي نشقي.. نبص نلقي
خراب وسرقة.. من عند برقة ولحد سينا
وان قولنا.. لا.. بتضربونا.. وتسجنونا
يا ترسملونا يا تبلشوفنا
ياتموتونا وتخلصونا
.. ملعون.. ابوكم.. علي أبونا!!