تملكتني مشاعر جياشة لاستعادة أيام خوالي عشت فيها أصعب اللحظات والمواقف، فأمام عيوننا ولدت ثورة ٢٥ يناير وترعرت واشتد عودها حتي نضجت بتنحي الرئيس المخلوع «مبارك»، وقد كان لكل حدث من أحداث الثورة ذكري حُفرت في وجداننا فلم نكن نتابعها من وراء الشاشات ولكن شاهدنا مراحلها من قلب الميدان، وإن كان عملنا دفعنا لتوخي الحذر والحيطة سواء من المتظاهرين - الذي كان في وسطهم عملاء وبلطجية مأجورون - أو من قوات الأمن ومؤيدي المخلوع، فتغطية الأحداث من وسط المتظاهرين كان كاف لأن يكلفنا خرطوشا عشوائيا أو قنبلة غاز شاردة أما التواجد خلف الطرف الثاني فقد تكون فاتورته زجاجة مولوتوف حارقة أو حجرا طائشا، فقد كنا دائما نرفع شعار «الطوب أعمي» وتعلمنا أنه علينا عدم الأمان لأي من الطرفين.
شغفي بتلك الأيام دفعني للعودة لدفاتري القديمة، والدفاتر القديمة لأي صحفي هي أرشيفه، أسرعت واخرجت قصاصات من أوراق الصحيفة وها هو شريط من الذكريات تمر أمام عيني كأنه مسلسل درامي بدأت حلقاته قبل يوم 25 يناير بعدد من المظاهرات الفئوية وحوادث الانتحار المتتالية أمام مجلسي الوزراء والشعب ثم كان تفجير كنيسة القديسين، ووصلت الأحداث ذروتها مع بدء الانتفاضة الحقيقية ثم تلاها أحداث متعاقبة خلال يومي 26 و27 يناير، حتي جاء يوم جمعة الغضب فعلي الرغم من أنه كان إجازة رسمية للجريدة إلا أن أقدامي دفعتني للتجول في شوارع الزيتون - حيث سكني القديم - لأكون شاهدا علي حرق قسم الزيتون الذي تم سلبه ونهبه وتفحم أمام عيني، ووقتها أطلقت علي أحداث هذا اليوم بـ «جمعة النكسة» لما رأيته من خراب ودمار لم تشهده مدينة في حرب ضروس، ولكن ما شهدته علي مدار الأيام الـ 14 التالية بميدان التحرير - حيث كان الصمود والإصرار يملآن جنباته - بدد كل المشاهد السيئة للثورة إلي أن تمجدت في النهاية بالقضاء علي الاستبداد.