يا من حاكمتم، وترافعتم، فأصدرتم أحكاما. يا من نصبتم أنفسكم، ووليتُم، فنصبتم المشانق. يا من بُعثتم من فوق سماوات عُلا، برسالات مُنمقة، ورابطات عنق أنيقة، وأقلام ساحرة، وساخرة، وميكروفونات ساخطة، وصاخبة، اهدءوا..
قولوا من بعثكم بكل هذه الرسالات، ومن حملكم بتلك الفضائل. من أفرط عليكم بالتعاليم، وأغدق عليكم الحكمة، وأصول الأدب. ثم من منحكم أجنحة، وأثوابا بيضاء لملائكة طائعة.. مَن؟!
شاخ نبي الله موسي، وقُبض. رُفع المسيح عيسي حياً إلي أمجاد سماوية للأبد. بلغ رسول الله محمد رسالته، واختار الرفيق الأعلي.. كَفت السماء يا أطهار عن تكليف الأنبياء، وبعث الرسل، وارسال الكتب.. اهدءوا، أروني صحائفكم المُنزلة، أو هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين!
أقول ذلك لأن المحيط صاخب، لا يرحب إلا بالزاعقين، وأصحاب النشاز فقط، الصوت العالي يلقي حفاوة بالغة، وهذه إحدي الرذائل المبينة.
أخطأ أحمد مالك، صحيح، وحاد شادي، صحيح أيضاً، أو قُل أجرما إن شئت، أو ارتكبا من الفعل أبشعه.. صحيح، وأكثر، ولكن..
بقي لي أن أسأل ماذا بعد إذا عوقبا، وحُبسا، وأُعدما، هل تعلما الأدب، هل أدركا طبيعة حياة من سخروا منهم، هل عرفا معني أن تكون مؤتمرا فتطيع، أو أن تقضي ساعات واقفاً في زمهرير برد، لا أعتقد أحدا يتحمله، أو تحت قيظ شمس تحرق الرءوس؟.. لا، والله لن يعرفا.
أزمة الممثل، وصديقه، أنهما أساءا الأدب، وأهدرا القيمة، واجترأ كلاهما علي ثوابت التقدير. استهترا بمبادئ الاحترام، والكارثة هُنا اخلاقية بحتة، وبئسها فاجعة، وليس أوخم من عواقب الاستهزاء، والتقليل من أحد.. أي أحد.
أقول ذلك وأنا أرانا نقدم مالك الغلام، وشادي الصبي، قرابين، ونذورا للآلهة، كما فعلت أقوام في أزمان سحيقة، نضحي بهما للمزايدة.. للمزايدة فقط. فيزايد شادي علي كل الشتامين، ويعرض صوره أيام ثورة 25 يناير، وهو ملقي علي ظهره وشظايا رصاصات يقال إنها ضربت من قوات الداخلية ترصع صدره. ويزايد رجال الداخلية بأنهم من حموا مصر من كل الأهوال، والأخطار التي أحدقت بنا. ونغرق في مزايدات «فيسبوك» من كل المتعاطفين مع كلا الجانبين، وكالعادة، تضيع القضية..
في الدول القوية - يملؤني تمنٍّ أن نكون إحداها- لا تنتقم الدولة من صغارها، ذلك اذا كانت الأزمة أخلاقية كتلك.. قضية مالك، وشادي، ستتكرر، اذا تركنا أصلها، لأن المعضلة الحقيقية أصابت الأخلاق، وسوس التدني نخر قيم المجتمع بأكمله، واذا ساءك الوصف عزيزي القارئ، أو المتعاطف، أرجوك اسأل الدكتور أحمد عكاشة.
وإن كان لي هنا رجاء، بعد كل ما سلف مني، وغيري، فليس لي الا مطلب واحد، ماذا لو دعونا مالك، ورفيقه إلي تأدية الخدمة العامة، شريطة ألا يتعمد أحد إهانتهما، أو إذلالهما؟ ماذا لو أقحمناهما في حياة جديدة لا يعرفها الا من خاضها -ولست منهم- إجبارياً؟ هل يملك القاضي اصدار حكم يؤدب فيه غلامين غير الحبس، أو الغرامة.. هل؟!