حلق الشاعر المبدع نزار قباني في مدارات الحب..انتقل بين فراشات المشاعر.. وهمهمات الزهور والياسمين.. وغاص في أعماق المشاعر الإنسانية الرقيقة.. واستجاب لنداءات العشق.. فكان الفارس الذي لم ينازعه في الجولات منازع.. وحفر اسمه في سجلات تاريخ الشعر العربي وفي ذاكرة كل العرب.
ومع أن التاريخ صنّفه كمقاتل في مضمار الحب الإنساني الرقيق.. إلا أن الشاعر نزار قباني هذا الدمشقي الوطني عاش مقاتلا من أجل حقوق كل الأوطان العربية ومواطنيها.. وهو جانب لم ينل حقه الكامل فيه.. ذلك أن أشعاره في رصد حركة تراجع الأوطان، قد ولدت بداخله تيارات الغضب، فأرسل عبر أشعاره إنذارات العصيان التي أغضبت الحكام والمسئولين، فأصدروا أحكامهم بمنعها من النشر خوفا منها! وربما كان سبب ثورته العارمة وتحوله إلي الشعر السياسي الذي لامس فيه مآسي الأمة العربية هو فقدانه لزوجته بلقيس المرأة العربية العراقية التي فجرت ينابيع حبه وأشعاره، بلقيس حبيبة عمره التي لاقت حتفها في انفجار خلال الحرب الأهلية اللبنانية. واليوم وبعد وفاة نزار قباني بـ 18 عاما.. يعاودني الحنين إلي إعادة قراءة أشعاره.. لأتفاجأ كل مرة بأن هذا الشاعر المُبدع المُلهم، مازال يعيش بيننا، يكتب عما نعانيه من مآسٍ في عالمنا العربي.. وكأن ما يحدث الآن هو ما عاشه.. أو كأنه قد تنبأ به فعلا.. فمازال هذا العظيم حاضرا أحداثنا الدامية التي هزمت وطنه الحبيب سوريا، وهزمت موطن حبيبته بلقيس في العراق وهددت المزيد من لبنان وعصفت بأمان ليبيا واليمن.. وكم تصدت مصر.. وكم حذرت.. وكم نادت، ولكن ما حدث يحدث، ومازال يحدث!
كتب نزار..فرصد وحلل ثم تنبأ منذ سنوات بعيده فماذا قال الحاضر الغائب..
قال نزار في أشعاره الممنوعة..
من الذي ينقذنا من حالة الفصام
من الذي يقنعنا بأننا لم نهزم؟
ونحن كل ليلة
نري علي الشاشات جيشا جائعا وعاريا
يشحذ من خنادق العداء
( ساندويشه)
وينحني.. كي يلثم الأقدام..
لا حربنا حرب ولا سلامنا سلام
جميع ما يمر في حياتنا
ليس سوي أفلام
زواجنا مرتجل
وحبنا مرتجل
كما يكون الحب في بداية الأفلام
وموتنا مقرر
كما يكون الموت في نهاية الأفلام
لم ننتصر يوما علي ذبابة
لكنها تجارة الأوهام
فخالد وطارق وحمزة
وعقبة بن نافع
والزبير والقعقاع والصمصام
مكدسون كلهم.. في علب الأفلام
هزيمة.. وراءها هزيمة
كيف لنا أن نربح الحرب
إذا كان الذين مثلوا
وصوروا..وأخرجوا
تعلموا القتال في وزارة الإعلام
مسك الكلام..
لاتعليق !