تواصلا مع ما سبق، أقدم اليوم كتابا للعالم الجليل الراحل الدكتور احمد مستجير استاذ علم الوراثة بجامعة القاهرة والعميد الاسبق لكلية الزراعة، وعنوان الكتاب «عقل جديد لعالم جديد».. ومضمون الكتاب ان الجنس البشري، مزود بآليات كانت تكفي قديما لحمايته، «فالسمع» ينبهه إلي غصن شجرة يقع عليه «والنظر» يلفت انتباهه إلي وحش يهاجمه «والتذوق» ينذره بخطورة ما يأكل أو يشرب، «والتعرف علي الروائح» يمنعه من استنشاق ما قد يضره.
ولكن إنسان العصر الحديث معرض لأخطار قد لا يلتفت إليها، فهو يجاور أو يبتلع مواد مشعة قد تقتله دون ان يشعر بها، وقد يستنشق غازات قاتلة عديمة الرائحة مثل اول اوكسيد الكربون.
والسبب الثاني يتمثل في ان الغرب الاستعماري بقيادة امريكا، قد زرع أفجر الوحوش بجوارنا، في المنطقة العربية لحماية مصالحهم البترولية، وعلينا ان نتذكر ان نسبة المشتغلين بالعلم في اسرائيل بالنسبة لعدد سكانها تبلغ مائة ضعف قابلة للزيادة، بالنسبة للوطن العربي.
والسبب الثالث أن المواطن العادي مطالب بأن يساهم ويشارك في اتخاذ قرارات تتعلق بنقل الأعضاء او بمشاكل البيئة مثل ثقب الأوزون، أما ظاهرة «التصويب».. أو الهندسة الوراثية أو المشكلات الناتجة عن تلوث البيئة.. الخ.
كل هذه القرارات تتطلب حدا معينا من المعلومات العلمية، وهي المعلومات التي تتحول إلي معرفة تندمج مع غيرها، بحيث تمكن المواطن من صحة اتخاذ القرارات المصيرية في حياته.
ومن الكتب القيمة ايضا كتاب الدكتور عبدالحكيم بدران في مؤلفه: «الإعلام والتوعية العلمية».. ان التنافس القوي بين الدول المتقدمة في مجال التقنية بلغ منتهاه.
وأدركت أمريكا واليابان والدول الاوروبية اهمية نشر الوعي العلمي بين الناشئة والشباب، وضرورة وضع خطة عامة للتوعية العلمية علي المستوي القومي، واصبح نشر الثقافة العلمية هو الهدف الاساسي من تدريس العلوم في المدارس والجامعات.
ومن الغريب، رغم التقدم في جميع المجالات، نراهم يتكلمون عن سطحية المواطنين، وعدم وعيهم بالنسبة للعلوم والتكنولوجيا، ويخشون ان ينتج عن هذا. اختيارات سياسية غير متوقعة تؤدي إلي التدمير الذاتي، وهذا التدمير بالنسبة لهم عدم الرعاية الطبية الكافية وعدم التفوق والوصول إلي القمة في مجال التكنولوجيا وزيادة البطالة نتيجة لتطور أشكال الانتاج التي تحتاج إلي مهارات جديدة تواكب التقنيات المتقدمة.. والثقافة العلمية كما تضمنها المؤلف السابق هي الثقافة «العملية» التي تساعد الفرد ان يتماشي مع المشكلات الاساسية للحياة، وهي التي تهتم بالحاجات اليومية كالمأوي والمياه، والغذاء ونظام التغذية والصحة وتربية الطفل.. إلخ.
والثقافة العلمية «المدنية» وهي تساعد المواطن في ان يسهم في الحوار حول القضايا ذات الصلة بالعلوم التي تؤثر في المجتمع. والثقافة «العلمية العامة» وهي التي تهتم بالتعرف علي العلوم.. كإنجاز كبير للفكر الانساني.
وأخيرا ثقافة علمية «وظيفية» لنشر الثقافة العلمية الصناعية لكل من الإدارة والعمال في اطار مهني معين لتحقيق الصحة والسلامة في العمل.. إذن «الثقافة العلمية» هي الاحاطة والالمام بدائرة واسعة من حقول العلم بعد ان انقضي زمن الانغلاق بين اصحاب التخصص الواحد علي انفسهم.
اننا نعيش في عالم تتسارع فيه ثورات علمية تتدفق من خلالها المعلومات وتتضاعف المعرفة ما أدي إلي حدوث ثورة تكنولوجية وثورة اتصالات وثورة الكترونيات التي افرزت كما هائلا من العلم لا يستطيع ان يستوعبه عقل بشر، والمجتمع إذا لم يستطع التفاعل مع هذه الثورات، إنما يحكم علي نفسه وعلي مستقبل الامة بالتخلف، كما ان المستقبل هو ثمرة ما نفعله وما لا نفعله، والحديث موصول.