كتب.. محمود صالح
كان بعضٌ الأطفال يلعبون أمام منزلهم، مر عليهم شابٌ يقود دراجته النارية بسرعة كبيرة، فأوقفه شقيق أحد الأطفال ونهره على قيادته الجنونية خوفا على هؤلاء الأطفال، وتطور الأمر بينهما حتى وصل إلى الشجار، خصوصًا بعد أن سب الشاب شقيق الطفل بأمه.. هنا فقط كانت البداية.. والتي منها بدأ سلسال الدم في نجع سبع بمحافظة أسيوط .. في السطور التالية ندخل معكم إلى كواليس تلك الوقائع من بدايتها حتى آلت الأمور لمقتل صاحب فرن بمنطقة السلام بالقاهرة.
بين عائلتي “عويس” و”كريم” كل خير، لم يكن بينهما من قبل أى ضغينة، يعيشان سويا في نجع سبع بمحافظة أسيوط دون أى مشاكل تذكر، اللهم بعض الشجار البسيط بين الصغار والذي تم حلّه وديا دون أن يتفاقم الأمر. أو هكذا ظنوا.
كل هذه الأمور كانت شرارة لما سيأتي بين العائلتين، وتمهيدًا لوقائع دموية سيحين وقتها، وقد حان.
كانت تلك البداية التي سبق الحديث عنها قبل شهر رمضان الماضي بثلاثة أيام، ومع أنها انتهت في مهدها وتم حل الأمور، لكن “عثمان قطب” من عائلة “كريم” والذي كان نجله يقود الدراجة النارية أبى أن يمر الأمر مرور الكرام، وأقسم على أن من تعرض لنجله بالأذى سيوسعه ضربًا جزاءً لما فعله، ولم يسمع نصائح أى شخص بأن ما حدث أمر بسيط ليس من الأجدر تفاقمه.
كان ذلك الشاب الذي تشاجر مع نجله من عائلة “عويس” يعمل والده في مكتب التموين، وهو - على حسب كثير من شهود العيان - معروف بالصلاح والتقوى، وفي بغتة من الأمر كان نجله يعتاد المرور عليه يوميًا بعد العمل يصطحبه إلى البيت، وأثناء ذلك، اقتحم “عثمان قطب” مكتب التموين بالنجع، ورفع سلاحه على الموظفين واعتدى على الرجل ونجله، اعتداءً سافرًا، جعل الكثير من الناس يتأكدون أن الأمور بين العائلتين قد آلت للأسوأ، وأن الإصلاح بينهما ضرب من ضروب الخيال.
الدم
بالفعل. بعد يومين من تلك الواقعة المؤسفة، اجتمع بعض شباب عائلة “عويس” لأخذ حق عمهم من “عثمان قطب” وعائلته، وتطور الأمر بينهما حتى حمل كل منهما السلاح في وجه الآخر، ونتيجة لذلك، مات شخص من عائلة “كريم” بعدما أصيب بطلقة أودت بحياته، قيل بعدها أن هذه الطلقة من أسلحة عائلة “عويس”، وعائلة “عويس” تنفي الأمور وتقول بأن الطلقة أطلقت بالخطأ من أسلحة عائلة “كريم”، وهكذا تفرق دم هذا الرجل بين القبيلتين دون أن يعرف من السبب في موته.
لكن “عثمان قطب” كان قد بيت النية، وعزم على قتل أفضل رجال عائلة “عويس” ردًا على قتل ذلك الرجل الذي توفى من عائلته. وحتى لا تتطور الأمور تدخل الأمن سريعا وفرض كردونًا أمنيًا على النجع. وألقى القبض على الكثير من شباب العائلتين حتى تستقر الأمور ولا تتفاقم.
مرت أيام وشهور، و”عثمان” خلالها يتابع ويخطط، حتى وقع الاختيار على “حمدي عبد الشكور” ذلك الرجل الأربعيني، الذي يعيش في مساكن “اسبيكو”دارالسلام. والذي يمتلك مخبزًا يقتات منه هو وأسرته.
إبان المعركة القديمة، كان “حمدي” في النجع بأسيوط يحاول جاهدًا أن ينهى الخلاف في مهده، وتدخل مع الكثير من عقلاء النجع حتى يعم السلام بين العائلتين دون المزيد من إراقة الدماء بلا سبب.
وحسب الكثير من شهود العيان وقتها، لم يكن “حمدي” مشاركًا في الواقعة، ولم يكن من ضمن من رفعوا السلاح، ولكن كان بعدها حاضرًا في البلد وساعيًا إلى الصلح ما استطاع.
التنفيذ
لكن “عثمان” أدرك وقتها المكانة التي يتمتع بها “حمدي” في عائلته، وأنه ليس له في الشجار، وبينه وبين المشاكل سدًا منيعًا لم يحاول أن يتخطاه يومًا من أيامه. ولذلك وقع الاختيار عليه، كون قتله يعد مصابًا جللًا لعائلته، وهو المطلوب ذلك.
أيام تجر في ذيلها أيام، ومازالت فكرة القتل تختمر في عقل “عثمان” حتى دخلت الفكرة حيز التنفيذ، وبدأت عملية القتل.
يوم الأربعاء الماضي، وتحديدًا في الساعة الرابعة عصرًا، كان “حمدي” يباشر عمله في المخبز كعادته، يبيع الخبز للناس المصطفين أمامه. لكن فجأة اقترب من المخبز “توك توك”، وبداخله شخصين غير السائق. وقبل أن يتفوه بكلمة نزل منه الجميع ملثمين، وبادروا بإطلاق النار بشكل عشوائي على كل الموجودين في المخبز، واستقرت معظم طلقاتهم في جسد “حمدي”، المستهدف.
كانت سيارة مطموسة اللوحات في انتظارهم على أول الشارع الذي حدثت فيه الواقعة، والدراجة النارية التي استخدموها في الواقعة اختفت بمجرد ما أن أوصلتهم إلى السيارة، لكن كاميرات المراقبة في المنطقة أظهرت تحركاتهم وطريقة ارتكاب جريمتهم، لكن لكونهم ملثمين، لم يتم تحديدهم في أول الأمر، لكن بعد معرفة تفاصيل الواقعة من بدايتها، أضحت أصابع الاتهام كلها تشير إلى “عثمان” القاتل والمدبر.
دب الذعر في أركان كل من شاهد تلك الواقعة، حتى أن صوت الرصاص جعل الكثير من الأهالي في بيوتهم يهرعون إلى النوافذ ليعرفوا ما جرى. ولكن في خضم تلك الأحداث وفزعها فر القتلة هاربين دون أن يلحق بهم أحد.
كان الجميع يتساءل، من قتل، وعندما علموا أن المقتول “حمدي” صاحب المخبز، زاد خوفهم، كيف لرجل يعيش بينهم منذ أعوام لا يعرفونه إلا بكل خير يُقتل هكذا وبتلك الطريقة، وهو الباعد عن المشاكل بعد المشرق والمغرب. لكن جاءتهم الإجابة.. كان مقتله ثأرًا، وهو الضحية، ليس إلا.
في حديثه لـ “أخبار الحوادث” أفاد ابن شقيقة ضحية السلام؛ محمود عبده، قائلا: كان السبب الذي قامت من أجله هذه المشاجرة البسيطة تافهًا، شاب من عائلتنا يخاف على الأطفال فأوقف ابن “عثمان” ينهره عن قيادته الدراجة بتلك السرعة، والأمر لم يتعد هذا، لكن بعد أن تربصوا بوالد الشاب الذي تشاجر مع ابن “عثمان” وضربوه هو وأبيه أثناء عمله في مكتب التموين، تطور الوضع، ولم تفلح معه أى محاولات صلح”.
وأضاف: “الواقعة الثانية كانت ردًا على ما قاموا به، لكن لم يكن من عائلتنا من قتل “أحمد” الضحية الأولى الذي سقط من عندهم، وهذا ما أثبته الطب الشرعي، وخالي حمدي وقتها لم يكن حاضرًا في تلك المشاجرة ولم يكن مشاركًا فيها من الأساس”.
واختتم: “أتمنى أن ينتهي الوضع على هذا، والمخطئ يلقى جزاءه عن طريق القانون، لكن هروب “عثمان” حتى الآن، ومحاولة هروبه في هذه الآونة إلى ليبيا سيزيد الوضع سوءًا.