من المعلوم أن التربية الأخلاقية هي تنمية شخصية الفرد واستعداداته وقدراته والكشف عن مواهبه والسعي لتشكيل أخلاقه بشكل يتفق مع تقاليد وثقافة المجتمع.. لذلك فرسالة مؤسسات التربية والتعليم من مدارس وجامعات، ومراكز التنوير والثقافة العامة تحقيق أهداف، لعل من أهمها:
> إنتاج المواطن المثقف، ولا نقصد به حملة الشهادات الجامعية والدراسات العليا: الماجستير والدكتوراه في أي فرع من فروع المعرفة.. ولكننا نعني به الإنسان المحب للإطلاع ولديه القدرة علي الفهم والتحليل بموضوعية والابتعاد عن تضخيم الذات.. وتبني كل ما ينفع الناس.
> ترسيخ القيم النظيفة والأخلاق الطيبة في وجدان الأجيال الجديدة، لتكون خير عاصم من الوقوع في الخطأ أو السقوط في الخطيئة.
> إنتاج المواطن الحر، والحرية قيمة أساسية في حياة الإنسان.. ونعني الحرية المسئولة التي تعي وتقدر مسئولية البناء والتعمير، والذي يعرف ما عليه من واجبات ومسئوليات تجاه نفسه وأسرته ووطنه، فيؤديها كاملة بضمير حي وخشية من الله سبحانه وتعالي، كما يعرف حقوقه، فلا يفرط فيها تحت أي ظرف، فيعطي المثل والقدرة من منطلق أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
> إنتاج المواطن القادر علي التعبير عن آرائه وآماله وطموحاته وفق قدراته المتاحة بسلوكيات فيها تحضر ورقي أخلاقي.
> إنتاج المواطن المشارك بإيجابية في صياغة حياته، وفي صياغة القرارات المصيرية التي تتعلق بحاضره ومستقبل الوطن بعيدا عن كل ما يخجل من كذب ونفاق للحاكم وبطانة السوء.
والسؤال الآن هل حقق التعليم والثقافة ومراكز التنوير المصرية هذه الأهداف؟. وبكل الصدق والموضوعية أقول: لا أظن، وفي اعتقادي بعد رحلة حياة امتدت لأكثر من خمسين عاما في مجال العمل العام، وفي جميع مراحل التعليم إنه لا يوجد في أي مكان في العالم المتقدم والمتطور ما يماثلنا في إطلاق التصريحات الداعية إلي تطوير التعليم والنهوض بالبحث العلمي علي مدي عقود طويلة، وللأسف نسمع جعجعة ولا نري طحنا.. نسمع شعارات براقة جوفاء بأن الهدف من التعليم نبذ التخلف والانطلاق إلي المستقبل.. تحت شعار أمة لها مستقبل، في الوقت الذي أعلنت أمريكا سيدة الاستعمار العالمي أنها أمة في خطر لمجرد أن الاتحاد السوفيتي سبقها إلي إطلاق الأقمار الصناعية بشهور وأيام.. ونكتفي نحن بعقد المؤتمرات التي تبحث مشكلة التعليم، وننفق عليها ملايين الجنيهات ويصدر عن هذه المؤتمرات أطنان من التوصيات ثم ترمي في المخازن ولا تري النور.. وفجأة يتلبسنا الجن والعفاريت، وندعو إلي مؤتمرات جديدة، بعد أن تتدهور الأحوال في جميع مراحل التعليم.
والشيء اللافت في حياتنا أن مسئولينا يتحمسون في البدايات، وسرعان ما يخبو هذا الحماس رويدا رويدا إلي أن يدخل النفق المظلم، وتنتهي الليلة ويا دار ما دخلك شر.
وقد يتساءل البعض: لماذا نعيد عقد المؤتمرات ولدينا منها الكثير علي مدي خمسين عاما علي الأقل، وأين ذهبت التوصيات السابقة؟!
ونقول لهم إن في الإعادة إفادة، فالدولة لها هدف أسمي والقائمون علي أمرها مخلصون في التنفيذ.. فالهدف شغل الرأي العام وإلهائه في أمور هامشية بعيدا عن التفكير في حياتهم اليومية.. تدني الدخول وغلاء الأسعار والعلاج والتسيب في الأداء والإنتاج.. باعتبار أن كل شيء في مصر ينسي بعد حين.. ويكفي أن ندلل علي تخلف التعليم، أن ترتيب مصر في قائمة التعليم علي مستوي العالم وصل إلي ١٣٤ من ١٤٠ دولة، وفق أحدث إحصائيات الأمم المتحدة.. والحديث موصول.