عندما تقارن أسعار السيارات في مصر بأي دولة أخري تجدنا واللهم لا حسد نحن الأعلي سعراً في العالم. وإذا تساءلت تكون الإجابة أن ذلك بسبب ارتفاع تعريفة الجمارك التي قد تصل في بعض الاحيان إلي ٥ أضعاف، والحكومة مجبرة علي ذلك حتي تستطيع تدبير اعتمادات الصحة والتعليم وباقي الخدمات لمحدودي الدخل، فالضرائب والجمارك مصدر تمويل رئيسي للموازنة العامة للدولة. لكن هذا المبرر لا ينطبق علي باقي السلع التي أصبحت أسعارها »نار»‬، فمثلا سلعة كالانترنت نحن في مصر - ولا حسد - أغلي تعريفة انترنت في العالم وأسوأ خدمة وأقل سرعة - أيضا - علي مستوي العالم. والسبب ليس الجمارك التي تصب في خانة مصلحة الغلابة، ولكنها بسبب جشع وتغول شركات المحمول الثلاث التي أصبحت ميزانيتها تفوق ميزانية الدولة، وكل هذه المبالغ المُبالغ فيها تصب في جيوب أصحابها والمساهمين فيها. ورغم أن هناك منافسة شرسة بين هذه الشركات إلا انها اتفقت علي مبدأ واحد هو مص دم المصريين ومصمصة جيوبهم. واتفقوا أيضا علي عدم تخفيض أسعار الانترنت الأبطأ في العالم ولا تخفيض سعر مكالمات المحمول الأسوأ في العالم. ولعلني لا أبالغ أن الموضة هذا العام في مصر مختلفة وهي موضة رفع الأسعار بصورة غير مبررة وغير منطقية وتجعل الغني أكثر ثراء والفقير أكثر جوعا.. وكل السلع مرتبطة ببعضها وترتفع أسعارها بنظرية الأواني المستطرقة، وهذه النظرية ليست عكسية طبعا ولا تنطبق علي انخفاض السعر إذا حدث! نعود مرة أخري للمحمول والانترنت، فأعتقد أن الدولة مقصرة في حق المواطنين، وأنها متهاونة مع هذه الشركات التي تبيع الهواء للمصريين وتكسب من ورائهم المليارات. ولن ترتدع هذه الشركات إلي إذا أظهرت لها الحكومة العين الحمرا، وطرحت الشركة الرابعة للمحمول، وامتلكتها الشركة المصرية للاتصالات التابعة للحكومة. وأعلنت عن تعريفة معقولة للانترنت والمكالمات وحولت المكاسب المهولة والمستمرة والمضمونة لميزانية الدولة، بدلا من أن تذهب لجيوب أصحاب الشركات الثلاث، وهذه ستكون منافسة شريفة، وليست حرقا للأسعار.. ووقتها سيتحول كل مشتركي المحمول والانترنت من الشركات الثلاث إلي شركة الحكومة، إلا إذا بدأت هي الأخري في خفض أسعارها. وظني أن الحكومة تفعل ما اقترحه في اللحوم والخضراوات وسلع أخري، حيث تقوم بطرحها في المنافذ التابعة لها بأسعار مخفضة وهامش ربح مقبول. لن يرتدع التجار وأغنياء الثورة - الذين حلو محل أغنياء الحرب - إلا إذا دخلت الحكومة كمنافس قوي قادر علي كسر شوكة أي محتكر. في كل المجالات، فلن يشعر المواطن البسيط بأي تحسن، ولا أي زيادة في النمو، ولا توسع في المشروعات، إلا إذا انخفضت الأسعار كل الأسعار، شقق وعلاج وطعام وملابس، وخدمات، فهذا هو النمو الحقيقي. آخر كلمة »‬إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم». صدق الله العظيم