أحسب اننا لو استطعنا متابعة ما تقدمه القنوات الفضائية  في الدول العربية والإسلامية في شهر رمضان الكريم، من خلال عينة مختارة علي أساس جغرافي مثلا، يخضع للموقع علي خريطة العالم والتواجد في قارات  الدنيا المختلفة، أو علي اساس تنوع واختلاف الحجم السكاني وكثافة الكتلة البشرية في بعضها، وقلتها في البعض الآخر،..، لخرجنا بنتيجة تكاد أن تكون مؤكدة، وهي انه لاوجود لحالة واحدة مشابهة أو حتي قريبة الصلة لما تعرضه أو تقدمه القنوات الفضائية المسلطة علينا نحن، ومن شاء حظهم الوقوع في نفس دائرة الارسال.
ولا اتصور وجود مثل هذا الكم الهائل والحشد الكبير من المسلسلات علي قنوات أخري، غير تلك التي تبث ارسالها علي رؤوس المشاهدين المصريين، منذ لحظة رفع أذان المغرب وانطلاق مدفع الافطار، وحتي مطلع نهار اليوم التالي بعد أذان الفجر من كل يوم. والملاحظة الاساسية في ذلك الطوفان ليست في جودة أو فقر ما تحتويه هذه المسلسلات، والمضمون الذي تقدمه، وليست ايضا في سوقية وتدني المستوي الفني الذي تضمه في جنباتها هذه المسلسلات، أو ارتفاع هذا المستوي وارتقاؤه إلي أفاق عظيمة ومستويات رفيعة تثري الحس الانساني والفني للمشاهدين ،...، فذلك للأمانة يصعب الحكم عليه لأسباب عديدة.
منها أن احدا لا يستطيع الحكم علي ذلك إلا إذا شاهد هذه المسلسلات جميعها أو أغلبها، وهذا صعب، بل هوالمستحيل ذاته، علي المستوي الواقعي والموضوعي، نظرا لكثرتها التي تعدت كل الحدود،..، كما ان ذلك لا يجوز الآن حتي بالنسبة للبعض منها، نظرا لأنها مازالت في البدايات، ولم يعرض منها غير حلقات قليلة لاتكفي ناقدا موضوعيا للحكم الصحيح. ولكن ما يبعث علي الدهشة ويثير العجب حقا هو هذا الطوفان من الإعلانات المنهمرة والمتدفقة والمتكررة،بإلحاح يفوق الاحتمال ويثير الغضب والسخط، ويبعث علي الرفض ويدعو لأخذ موقف عدائي تجاه الإعلان وما يحتويه ومايدعو إليه،...، واحسب ان العقل والمنطق وايضا الفائدة وحساب المكسب والخسارة، يحتم علي الشركات المعلنة إعادة النظر في جدوي الإعلان بمثل هذه الطريقة غير المقبولة والتي تأتي بعكس النتائج المرجوة من وراء الاعلان.
وأخيرا، وليس آخرا،..، لعل من المناسب ان اناشد كل المسئولين عن هذه القنوات باسم عموم الصائمين، أن يرحمونا من هذه الجرعة الثقيلة والمكثفة، ولن أقول الغثة ولكني أقول الصعبة والعسيرة علي الهضم،...، وأن يرحموا انفسهم ايضا قبل ان ينصرف الناس عنهم،..، هذا إن لم يكونوا قد انصرفوا بالفعل بحثا عما ينفعهم ويقدم لهم جرعة ثقافية ودينية وروحية في شهر الصوم والعبادة.