ليست المشكلة ان ننتج اربعين مسلسلا تليفزيونيا تتكلف مبالغ طائلة في هذه الظروف.. لكن المشكلة ان تعرض جميعها في شهر رمضان، وأن تتحول الي مجرد فواصل بين الاعلانات فيفقد المشاهد التركيز والمتعة وان مستوي معظم المسلسلات بعيدا عن الجودة، وان نجد في بعضها هبوطا لا مثيل له والفاظا لا يمكن ان تسمح بها شاشة محترمة.
الحقيقة أننا نحتاج الي انتاج أكثر ليغطي احتياجات مئات القنوات التليفزيونية المصرية والعربية، ولننهي فترة ركود في الانتاج وبطالة عاني منها الفنيون، وتراجعاً مازال مستمرا في مستوي الدراما التليفزيونية المصرية التي سادت الفضاء العربي لسنوات طويلة، والتي لابد ان تستعيد مكانتها وتأثيرها في العالم العربي كله.
لابد ان تعود الدولة لقيادة عملية استعادة الدراما التليفزيونية المصرية لمكانتها، ولابد ان يكون هناك وعي بأن دعم انتاج اعمال درامية راقية سوف يؤدي الي ان تعتدل الموازين خاصة اذا صاحب ذلك دعم الاعمال المميزة، في القطاع الخاص، وجهود تبذل لاستعادة الكبار في كتابة الدراما التليفزيونية ولخلق اجيال مثقفة وموهوبة في هذا المجال، بدلا من هؤلاء الذين ينقلون عالم «الافيهات» من القعدات الخاصة الي الشاشات الصغيرة لنري ما رأيناه في رمضان!
رغم اي انتقادات توجه لمسلسلات هذا العام، فإنها تثبت اننا في وضع لا يمكن منافسته، لدينا جيش من الفنانين الموهوبين تمثيلا واخراجا، ولدينا ساحة ثقافية قادرة علي ضخ كل ما هو جديد وجميل في سماء الفن.. ولدينا كوادر مدربة من الفنيين.. ولدينا نصوص ادبية فائقة الجمال يمكن ان تكون اساسا لدراما رائعة.. ومع ذلك كله لا ينتج عن ذلك كله ما نتوقعه من فن جميل وراق كما كنا نفعل بأدوات أقل وبأموال لا تقارن بما ينفق اليوم.
ما يقال عن الدراما التليفزيونية، يقال ايضا عن السينما والمسرح كلها أدوات للمتعة الفنية وللتثقيف والوعي.. وكلها أدوات في حربنا ضد الإرهاب والتخلف.. ليس بمعني ترديد الشعارات، وإنما بالانتاج الفني الذي ينشر الجمال ويحارب الفساد، والذي يهذب الروح ويطلق طاقات الابداع لدي الانسان. وكلها عوامل اساسية في قوة الدولة الناعمة الي كانت دائما من عوامل التفوق المصري ومن أسس بناء المودة بين ابناء الوطن العربي الواحد.
ما رأيناه في عالم الدراما التليفزيونية هذا العام هو نموذج عام نراه في مجالات كثيرة، علي سوء الاداء، وتبديد الموارد المادية والبشرية، واهدار الطاقات المبدعة التي نملكها في وقت ما كانت السينما المصرية هي الصناعة الثانية التي نصدرها للعالم.
وفي وقت ما كانت الدراما التليفزيونية المصرية تسود الفضاء العربي، اثق في اننا سنتجاوز الظروف الصعبة التي مررنا بها، وان نهضة الثقافة والفنون ستكون جزءا من نهضتنا الشاملة القادمة. علي الدولة ان تتحرك بوعي في هذا المجال، وان تنهي مرحلة كان شعرها «مولد وصاحبه غايب»!



\>