فى(1995) قدمت المخرجة ∩إيناس الدغيدي∪ فيلم ∩لحم رخيص∪ عن تجارة بيع الفتيات للأثرياء العرب فى القرى المصرية، شاهدنا الفيلم عشرات المرات منذ ذلك التاريخ على الفضائيات، تحت تحذير ∩للكبار فقط∪، أى أن الفضائيات التى أذاعته أوكلت للأسرة المصرية مهمة نهر أبنائها ليهرعوا إلى النوم، كى تقتصر على الكبار مشاهدته، وللأسف فإن التحذير لايتعلق بالقضية المطروحة فى الفيلم، وعرضها لما تمارسه شبكات الاتجار بالفتيات تحت مسمى الزواج، لكن التحذير يتعلق بدروس الفضيلة التى تمارسها بعض الفضائيات بحذف المشاهد ذات الإيحاءات الجنسية فى الأفلام، وكأنها هى ∩الخادشة∪ للأخلاق، لا بيع الأهل لبناتهم لمن يدفع أكثر! من المعروف أن قضية الاتجار بالفتيات، تحت مسمى الزواج، فى القرى المصرية قد استفحلت فى السبعينيات، ورغم أن الفيلم مضى عليه عشرون عاما، إلا أن الدولة لم تشرّع ما يحمى بناتها من الاتجار بأجسادهن فى الغربة، ولأن القضية متعددة الأسباب من فقر وجهل وتواطؤ، ومتعددة الشبكات أيضا، آثرت الدولة− على طريقة نص العمى ولا العمى كله− أن تشترط مبلغا ماليا يوضع باسم الفتاة قبل الزواج، تحسبا لفشله (باعتبار أن مثل هذه الزيجات قابلة للنجاح!) هو 40 ألف جنيه وألا يتجاوز الفارق بين عمر الزوجين 25 عاما. صدر هذا القانون في 1976، لكن الدنيا تغيرت، وتغيرت جدا، حتى إن أمثالنا ممن عاشوا فى السبعينيات، لايعرفونها الآن، وعليه فقد استفاقت الدولة، ممثلة فى وزير العدل، ومراعاة لغلاء المعيشة، وارتفاع سعر الدولار، وقررت أن ترفع المبلغ عشرة آلاف جنيه، إذا زاد الفارق لا 25عاما فقط بل 40 عاما! وهو ما يفترض ضمنيا أن رجلا فى الثمانين يمكنه أن يتزوج فتاة (أو حفيدة!) فى العشرين، ويدفع ما يعادل ستة آلاف دولار! (يابلاش!). (باعتبار أن لا أمل فى إنقاذهن كمنكوبى الكوارث!) لكن المصريين لا يعجبهم العجب، فسرعان ما قوبل قرار رفع المبلغ بموجة عارمة من الغضب، وهو غضب بدا غير مفهوم للمتحدثين باسم وزارة العدل، والمجلس القومى للمرأة، اللذين يمكن إيجاز تعليقات متحدثيهما فى: ∩خيرا تفعل شرا تلقى!∪ مستندين إلى أن ∩الشريعة∪ الإسلامية لا تحدد الفارق بين عمر الزوجين، ومتغافلين عما سمم به المتلاعبون بالدين والشريعة حياتنا لتبرير شذوذهم بدءا من زواج المتعة وليس انتهاء بالزواج من الأطفال! ومؤكدين أن∪الأمر الواقع∪ يقول لنا إن فيلم ∩لحم رخيص∪ لايزال معروضا بنجاح، وأن علينا أن نغير فقط من العنوان ∩رخيص∪ ليصبح ∩مش غالي∪، وبمنطق ∩السوق والتجارة∪: ∩شوية عليك وشوية عليّ∪، لكننا ∩صنف نمرود∪، لانقنع بزيادة ∩البقشيش∪، الممنوح للفتيات من وزارة العدل، التي، والحق يقال، ليس من اختصاصها بحث الظاهرة، ولامعالجتها جذريا، ولاوضع القوانين الملزمة بألا يتحول الزواج إلى ∩اتجار بالنساء∪، ويبدو أن هذه هى المشكلة التى لم تدركها الحكومة ولاوزارة العدل، حين قررت فتح هذا الملف ∩المخزي∪ و∪الموجع∪ و∪المهين∪، وإغلاقه على عجل بما ظاهره الرحمة وباطنه ∩الاستخفاف∪، وهو ما أغضب الحالمين بوطن تحترم فيه المرأة، بحلول ∩جذرية∪ تُفرض فرضا على الأمر الواقع، وليس تكريسه، و∪تجريس∪ نسائه، ولأن المدافعين عن القرار يرون فى الهجوم افتراء، فسأذكرهم بأن من ينكأ الجراح ويقوم بدور ∩المُسعِف∪ مكتفيا بمنح المسكن للمريض لن يجدى المريض شيئا، وإنما يعمل على تحسين صورة ∩المسعف∪ نفسه، وإظهاره بمظهر المتعاطف مع الضحية، والضحية أيضا لمن يهاجمونه، وأن عليهم أن يضعوا فى اعتبارهم أن إقرار الأمر الواقع موافقة ضمنية على مجرياته، و∪تقنين∪ مستتر لجرائمه، ولأننا لسنا صغارا، ولأن وزارة العدل تصرفت بمفردها، كعادة أجهزة الدولة، واتخذت دور البطولة المطلقة، فلن تستطيع أن تنهرنا كى لانشاهد العرض الجديد كاملا وحقيقيا، بمشاهده ذات الإيحاءات الجنسية الرخيصة، وعليها أن تتحمل صفير الجماهير، طالما تصر على حذف وتجاهل، القصة الأصلية ∩الخادشة للكرامة وللفضيلة∪، والاكتفاء برفع سعر التذكرة، فى ج2 لفيلم ∩لحم رخيص∪!