كل ضربة فأس في الرمال خلال العشر سنوات الماضية كانت تزيح الستار عن أسرار

مجهولة؛ وتفسر لنا حياة العامل والفلاح المصري
صانعا هذه الحضارة.




جاء الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرام في وقت مهم جداً، وكأنما أراد الله سبحانه وتعالي أن يأتي في الوقت الذي يشيع فيه البعض أن الأهرام بناها قوم هبطوا من السماء، أو جاءوا من القارة المفقودة التي يطلقون عليها "أطلانتس"، أو بناها اليهود كما زعمت بعض المؤسسسات الصهيونية لكي يكون الرد حاسماً وبالدليل الأثري الذي لا يقبل التشكيك فيه.
وأراد الله أيضاً أن يتم هذا الكشف بأيد مصرية، وقد أكد للعالم كله أن المصريين هم بناة الأهرام، وأن الأهرام لم تُبن بالسخرة، بل بُنيت بالحب والعقيدة الراسخة.. ولا أستطيع أن أصف لحظات الفرح الغامرة لنا جميعاً بعد أن توصلنا للكشف عن مقابر العمال، وكيف أن كل ضربة فأس في الرمال خلال العشر سنوات الماضية كانت تزيح الستار عن أسرار مجهولة؛ وتفسر لنا حياة العامل والفلاح المصري صانعا هذه الحضارة، ولم نكن نعرف عنهم شيئاً يذكر من قبل علي الرغم أنهما يمثلان فيه 80% من تعداد مصر البالغ مليون نسمة في ذلك الوقت ، زمن بناء أهرامات الجيزة- وأن الأمراء والصفوة لا يمثلون أكثر من 20% من تعداد السكان؛ لذلك فإن هذا الكشف قد فسر لنا طريقة معيشتهم؛ ومأكلهم ومشربهم والملابس التي كانوا يرتدونها.. وفصول هذا الكشف كثيرة.. وكل معلومة جاءت سوف تحفر غائراً في صفحات التاريخ، بل إن هذا الكشف يعتبر من أهم اكتشافات القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين..
ولكل كشف أثري قصة طريفة لا تنشرها الصحف لضيق مساحة النشر في بعض الأحيان، أو لعدم اهتمام الأثري المكتشف بنشرها أو الحديث عنها، ولكن اعتقد أن القصة التي وراء هذا الكشف لا تقل أهمية عن الكشف نفسه.. وقصة الكشف لعبت فيه المصادفة دوراً، وأنا في نفس الوقت لا اعتقد أن هناك مكتشفا محظوظا؛ وآخر غير محظوظ! لأن من عمل وجد، ومن اجتهد حصد، ولكن المصادفة أو الحظ يأتي عامة في حالة بناء عمارة وتجد أسفلها كشفاً مهماً، مثلما حدث بكوم الدكة في الإسكندرية، عندما عُثر أسفل أثاث عمارة علي المسرح الروماني الشهير، وعندما اكتشف هيوارد كارتر مقبرة "توت عنخ آمون" في 4 نوفمبر 1922م، لعبت المصادفة دوراً بسيطاً في كشفه، فكان يبحث لسنوات عن المقبرة وكان حلمه أن يكشف مقبرة الملك الصغير أو الفرعون الذهبي، ورغم ذلك لعبت المصادفة معه دوراً حينما جاء صبي صغير من قرية القرنة يدعي حسين عبد الرسول، وهو الذي يحضر المياه ليضعها في أزيار بجوار الحفائر ليشرب العمال، وحدث أن جاء الصبي كالمعتاد في يوم ٤ نوفمبر عام ١٩٢٢، وأخذ يحفر بنفسه مكاناً لوضع الزير فعثر علي درجة السلم الحجري الأولي للمقبرة، وجري إلي الخيمة التي يجلس فيها كارتر ليخبره بالكشف المذهل.. والذي أدي في خلال دقائق إلي الكشف عن مدخل مقبرة توت عنخ أمون؛ ووضع كارتر علي صدر الصبي حسين قلادة من قلادات الملك المكتشفة بالمقبرة، والتقط له صورة وهو يرتديها؛ ليكسب حسين عبد الرسول ثروة من هذه الصورة؛ لأن كل السائحين كانوا يتهافتون علي رؤيتها.. ويبقي السؤال: هل كشف مقبرة "توت عنخ آمون" يعتبر مصادفة؟