الحديث الأول:
كان في مكتبي مدرس أول لغة عربية بالمرحلة الثانوية منتدب لوزارة الثقافة، وفي ساعة صفا قال لي إنه يمتلك عمارة، وتحت العمارة سوبر ماركت لابنه نظراً لصعوبة الحصول علي وظائف حكومية. سألته ضاحكاً: من أين لك هذا ؟ قال : من الدروس الخصوصية. قلت: هل الدروس الخصوصية مجزية إلي هذا الحد ؟ قال : وأكثر، لقد كنت أعمل من الصباح الباكر حتي الواحدة صباحاً، إلي حد أني كنت أصعد لشقتي بمشقة، وأتمني لو أنام علي السلم من شدة التعب.
سؤال: هل يمكن لمدرس أن يستغني عن الدروس الخصوصية مهما أعطيناه من مرتبات أو حوافز ؟
الحديث الثاني:
تحدثت مع مفتشة لمادة الرياضيات بالمرحلة الثانوية عن متاعب مهنتها فقالت لي : المتاعب لا تتعلق بتدريس الرياضيات. قلت : بم تتعلق إذن ؟ قالت : بحل المشاكل بين المدرسين، وهي مشاكل تتعلق بالدروس الخصوصية، لأن المدرس الفلاني أخذ تلميذاً من المدرس العلاني، أو المدرس الفلاني أخذ فصل زميله الذي يقوم بالتدريس لتلاميذه دروساً خصوصية. سألتها : وماذا عن جودة العملية التعليمية ؟ ضحكت ولم تجب.
سؤال : هل بعد هذا يمكن الحديث عن إلزام المدرس بالشرح في الفصل ؟
الحديث الثالث :
قال لي حفيدي الطالب بالمرحلة الثانوية، بإحدي المدارس التجريبية، بمدينة 6 أكتوبر، إن الطلاب في فصله يجلسون كل ثلاثة علي دكة واحدة، وبعضهم لا يجد مقاعد للجلوس، وإن فصله به سبعون طالباً. قلت: أنتم مدرسة تجريبية، بمصروفات. قال : الأمر أسوأ من هذا. طلبت منه الشرح فقال : الأساتذة لا يحضرون، وبعضهم يحضر ولا يقوم بالتدريس، أو لا يقوم بالتدريس جيداً. قلت : أكمل. قال : بجوار المدرسة ممر، في الممر غرزة، والطلبة يقفزون من فوق السور للذهاب للغرزة. سألته : ماذا تقدم الغرزة ؟ ضحك وقال : كل شيء.
سؤال : أين الإدارة المدرسية يا جناب الوزير؟
حديث رابع :
حدثتني تليفونياً السيدة سميحة عرفة من مطروح، قالت لي إنها من سيدات التربية والتعليم السابقات، طلبت مني أن أكتب عن مشكلة حفيدتها التي كانت بفصول المتفوقات، فإذا بها تفاجأ بإلغاء هذه الفصول، وتوزيع طالباتها علي فصول دراسية عادية لا تجد بها البنات المتفوقات مقعداً تجلسن عليه. شكت لي من الكثافة العالية في الفصول. أكدت لي أن البنات يفكرن في تنظيم مظاهرة للمطالبة بأبسط حقوقهن، وهو أن يجلسن، وأن تكون كثافة الفصول التي وزعن عليها معقولة، وأن تعود فصول المتفوقات إذا أمكن. وأن يكون هناك مدرسون يقومون بالتدريس، وأن تكون مواعيد فصول التقوية معقولة لتناسب الطالبات، لأن تكلفة الدروس الخصوصية أعلي مما نتصور حتي في مطروح.
السؤال : ألا تعني هذه الشكوي أن المشاكل واحدة سواء أكنا في الجيزة أم في مطروح ؟
حديث خامس :
قال لي صديقي المهتم بتاريخ التعليم، إن العالم الرياضي العظيم الدكتور مشرفة كان هو الذي يضع الكتب الدراسية للرياضيات في المرحلة الثانوية في الأربعينيات من القرن الماضي، وإن عميد الأدب العربي طه حسين والكاتب الكبير أحمد أمين ومعهما عبد العزيز البشري وعلي الجارم وأحمد ضيف هم الذين وضعوا كتاب النصوص للمرحلة الثانوية في هذه الفترة، وأسموه المنتخب من أدب العرب، وإن هذا الكتاب أفضل من معظم ما يدرس في مدارسنا الثانوية حالياً.
السؤال : هل يمكن أن نهتم بالمناهج الدراسية في مدارسنا مثلما كان يهتم آباؤنا إذا كنا جادين في أن يكون التعليم هو قاطرة النهضة ؟
إنني أوجه هذه الأسئلة للسيد وزير التربية والتعليم، وأضيف إليها سؤالاً : هل تظن أن المرور علي المدارس بنفسك، والتحقيق مع الأساتذة الغائبين يكفي لإصلاح حال التعليم أم أن الأمر يحتاج لما هو أكثر من ذلك؟