منذ أعلن الأمير محمد بن سلمان عن التحالف الإسلامى لمحاربة الإرهاب، والأمر محل شد وجذب بين الدول التى أعلن من الجانب السعودى عن إنضمامها للتحالف، وكذا بين القوى الدولية، بينما انقسم الوسط الصحفى والإعلامى فى الإقليم والعالم مابين مؤيد داعم ومنكر رافض ومتسائل متخوف ومتحفز، ومن يملؤه القلق ومن يتحفظ على تشكيلة الدول المنضمة للتحالف المفاجئ، ومن أخذته الصدمة من دول لعدم استشارتها أو التنسيق معها رغم ورود إسمها عضواً فى التحالف، وأخذت الدهشة البعض من ورود أسماء دول ربما لاتملك مقومات فعليه للمشاركة على مستوياتها المعلنة، عسكرياً وفكرياً وسياسياً وثقافياً كما قيل. على أن الملفت هو تعامل الإدارة المصرية مع الإعلان وماصاحبه من تحركات وتوقيع إتفاقيات إقتصادية ومالية بين الجانبين المصرى والسعودى، دون التطرق للموقف المصرى وأدواته الفعلية الممكنة واستعداده للمشاركة فى ظروفنا الحالية من عدمه، وكذا حدود المشاركة ومداها، وماهو الممكن والمتاح من الجانب المصرى، ولم يعلن علينا أحد لا من مؤسسة الرئاسة ولا مجلس الوزراء ولا الخارجية المصرية عما تتنتويه مصر فى هذا الشأن، وآلياته ومستهدفاته، خصوصاً مااكتنف المشهد العام إقليمياً ودولياً من غموض، لانعرف ماإذا كان متعمداً أو هو بطبيعة العجلة والحماس فى الإعلان،وما إذا كانت هناك مشاورات مسبقة مع مصر وترتيبات تم الإتفاق عليها، إذ نحن بصدد تشكيل تحالف غلفه منذ اللحظة الأولى وأحاطه تصور بأنه تحالف سنى يشكل محوراً يستبعد فى حده الأدنى دولاً مثل سوريا والعراق وإيران؟ أليست هى أيضاً دولاً إسلامية، أم جاء استبعادها بسبب توجهاتها الشيعية، ما يلقى ظلالاً من التوجس أن التحالف يحمل توجهاً طائفياً، أو أن جاء استجابة لمطلب أمريكى ملح على استدعاء الحرب الطائفية للمنطقة، واستهلاك النظام العربى كله وقوداً لحرب إقليمية لها تداعياتها وخطورتها التى لاتقل عما قام الأمريكان بتوريط السعودية فيه فيما أسموه «عاصفة الحزم» وما أحدثت من شروخ فى العلاقات العربية - العربية أكثر مما حسمت من قضايا ومشكلات.
أما فيما يخص مصر، فالأمر أكبر مما يمكن التغاضى عن مناقشته فى مثل هذه الظروف الضاغطة محلياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً فى ظل أوضاع إقتصادية وسياسية غير مواتية، وتحديات تهدد الداخل المصرى كما تحاصر حدودنا من الشرق والغرب والجنوب، مع إنشغالنا ببناء مؤسسات الدولة واستكمال عوامل ومقومات ثباتها ومنعتها واستقرارها واستعادة أدوارها وتأثيرها. وسط ذلك الزخم والعبء الضخم يصعب توريطنا فيما لايمكن أن يفيد النظام العربى بأكثر مما يضره، ويصعب جر مصر إلى الحظيرة الأمريكية من خلال علاقاتنا المميزة مع الشقيق السعودى الذى تحاول أمريكا كل وسعها تطويع علاقاتنا بالسعودية لإدخالنا مرة أخرى بيت الطاعة الأمريكية بحجج وادعاءات لاتصمد أمام حقائق التاريخ ولا ضرورات الجغرافيا.ولقد سبق أن ناقشت هنا «سياسات الإحتواء الأمريكية» ومحاولاتها الدءوب لتطويق مصر بكل السبل لتطويع القرار المصرى لمشيئة اليانكى الأمريكى المغامر، فإما أن تدخل مصر صاغرة مستجيبة لإرادته مباشرة أو إرغامها بسيف الحياء من الشقيق السعودى فى موافقه الداعمة، لمغامرة تدجين وإستجابة بحد العرفان والجميل بشكل غير مباشر فى تحالف هو ذاته مصيدة أمريكية لمصر والسعودية وباقى دول الخليح ونظامنا الإقليمى العربى.فما لم تستطع أمريكا تحقيقه مباشرة للتأثير فى القرار والسياسات المصرية، تلتف لتحقيقه من خلال الإنخراط فى مخطط نجحت فى إقناع السعودية بضرورته وأهميته، وزينت لها الدخول إليه. وهل ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية هى من لعب فى أسس العلاقات المصرية السعودية العربية، وكانت من وراء تعطيل تشكيل القوة العربية المشتركة، وهى التى صنعت داعش وضمنت لها التسليح والتخطيط مع إسرائيل وتركيا وبتمويل قطرى، تركيا وقطر اللتان تستهدفان مصر وأمنها ومشروعها الوطنى وجيشها العظيم مطلوب منا الآن أن تتكاتف جهودنا معهم لمكافحة الإرهاب؟ هل هذا يعقل؟ وهل تصدق السعودية ذلك؟ وهل مجلس التعاون الخليجى لايعرف الدور القطرى المخرب والمتماهى مع سياسات تركيا وإسرائيل وأمريكا وداعش؟ ألم يتساءل أحد من أشقائنا العرب كيف يكون مردود هذا التحالف الطائفى المطلوب أمريكيا على العلاقات العربية الروسية؟ وهو يستهدف بالضرورة تقويض المبادرة الروسية الحاسمة لمحاربة داعش لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التى كشف عورات تآمرها جدية الحرب الروسية على داعش، وكيف عرى تحرك بوتين تواطؤ أمريكا وتحالفها المزعوم من ستين دولة، الذى لم يحقق فى حربه على داعش قرابة العامين ماحققه بوتين فى أسبوع واحد.ثم ألا يستوجب إعلان السعودية إرسال قوات من تحالفها المقترح لسوريا التساؤل عمن ستحاربه هذه القوات؟ خصوصاً مع إصرار السعودية الغير مفهوم على إسقاط بشار الأسد. وماذا سيكون موقف حليفنا الإستراتيجى فى الكرملين من هذا؟ ألن يؤثر ذلك على المصالح السعودية كما يؤثر على المصالح المصرية؟ والجميع يعرف أن « المتغطى بأمريكا عريان». هل مطلوب أن نحقق حرباً أمريكية بالوكالة على روسيا تحت زعم محاربة المد الإيرانى والأطماع الفارسية فى المنطقة؟
ولقد سبق أن حذرت هنا أيضاً من تأخر حوار إستراتيجى مصرى سعودى، يفتح كل الملفات ويناقش كل القضايا العالقة بصراحة وتجرد، ويضع العلاقات المصرية السعودية على مسارها الصحيح والذى لايمكن أن يقوم على مقايضة بين «بنك الدم» المصرى و«بنك المال» أو الفائدة، أيا كان مصدره، على حد قول د.عبدالمنعم سعيد فى مقاله بالمصرى اليوم السبت الماضى، الذى يدعو فيه مصر للدخول بقوة فى هذه الحرب المستهدفة باعتبار «أنه إذا كان هناك أخذ فمقابله عطاء»، ويالها من مفارقة وتضاد وشيزوفرينيا تغلف التوجه قبل مبنى ومعنى الكلمات.
أحترم أكاديمية عبدالمنعم سعيد وشخصه المفكر الهادئ، لكنه لايمكننى بأى معيار أن أوافقه على قوله «كل الشواهد تقول إن مصر مطالَبة بالمشاركة فى هذه العمليات العسكرية القادمة، بل إنها قيلت صراحة فى أروقة الكونجرس الأمريكى، وعلى لسان المرشحين للرئاسة فى الولايات المتحدة،وبسبب الاتفاقات الأخيرة التى قدمتها السعودية إلى مصر، لمساندة اقتصادها ودعم عملتها وشراء الدَّيْن العام والاستثمار الواسع» ويضيف « أن هذا القرار سوف يكون أخطر القرارات التى سيتخذها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فترة رئاسته الأولى». وتأخذنى الدهشة، فمنذ متى تحول عبدالمنعم سعيد من دوائر حمائم «كوبنهاجن» فى السلام والتطبيع مع إسرائيل، إلى مربع الصقور فى الحرب على داعش خارج حدودنا، وبحجة: « أن مصيبة وعار المسلمين، أن قرابة 95% من القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين بطول العالم الإسلامى نتيجة الهجمات والحروب الإرهابية كانوا من المسلمين». وهنا نطرح على سيادته السؤال، ولماذا كان حماسك واستماتتك فى التطبيع مع إسرائيل، رغم أن الدم المراق فى فلسطين المحتلة كان 100% دماً مسلماً أيضاً؟. ولعلى أعفيك من الرد، وأتوقف عنه أيضاً من جانبى تقديراً لما بيننا من ود واحترام، ولعل الرئيس السيسى لايستجيب لرأيك، فحرب داعش فى سيناء وعلى حدودنا أولى من الوقوع فى المصيدة الأمريكية والتحالف الطائفى.