داعبت الصحافة مخيلتي بينما كنت صغيرا في مدرستي الكفر الجديد بالدقهلية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وعندما بلغت مرحلة الثانوية العامة كانت قراءاتي تتطور إلي مقالات كبار الكتاب وقتها وعلي رأسهم بصراحة لمحمد حسنين هيكل، وقتها فكرت في طريقة للوصول إلي «شارع الصحافة « ووقع في يدي كتاب يحمل نفس الاسم للأستاذة مي شاهين، وكان هذا الكتاب طريقي إلي هذا الشارع، حيث كان سببا في التحاقي بمعهد الإعلام بجامعة القاهرة، والذي أصبح كلية فيما بعد، وتخرج منها العديد من القيادات الإعلامية السابقة والحالية والمستقبلية بإذن الله.
أعادني إلي هذه الحالة من العشق كتاب «الصحافة والحكم» للأستاذ الكبير محمد العزبي الكاتب المميز في جريدة الجمهورية والذي بدأ حياته الصحفية في دار أخبار اليوم، وشرب من مدرستها العملاقة، والعزبي بلدياتي من المطرية دقهلية، ضل طريقه من الطب إلي الصحافة، ربما يندم الآن، فهو من جيل العمالقة المحترمين، إذا اختلفوا ازداد احترامهم، ممنوع استخدام ألفاظ الابتزاز والتهديد التي نشاهدها ونسمعها بين الإعلاميين اليوم، لقد عاش العزبي زمن الصحافة المحترمة، زمن الصحافة التي تعبر عن الشعب، وإذا كنت أظن أنه مثلي نادم علي ما يحدث بين الإعلاميين اليوم، لكنه من الحكمة ليري مبررات منطقية لهذا الصراع الشخصي الإعلامي الحالي، الذي أراه من مقدمات الانهيار الإعلامي والأخلاقي في المجتمع.
كتاب العزبي، وإن كان مليئا بالإسقاطات، إلا أنه طريق أي صحفي شاب يريد أن يتعرف علي مباديء وأخلاقيات المهنة الشاقة، طريق أي راغب في الدخول إلي عالم الصحافة، محمد العزبي كاتب محترم يكتب ما يعتقد أنه صح، دون تجريح في أحد ودون تقليل من شأن أحد، لهذا كسب احترام الجميع ولهذا نال العديد من الجوائز القيمة، وهو بحق واحد من رواد مهنة البحث عن المتاعب.
دعاء: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)