استكمالاً لما تناولناه في مقال سابق حول البعد الدولي للعمل البرلماني وأهمية مشاركة البرلمان المصري في الكيانات والفعاليات البرلمانية القائمة علي الساحة الدولية، وما عرضناه من جهود الشعبة البرلمانية المصرية في الاتحاد البرلماني الدولي الذي يعتبر أكبر وأهم تجمع برلماني علي مستوي العالم، نستعرض اليوم باقي صور المشاركة الأخري. فبالإضافة إلي عضوية الاتحاد البرلماني الدولي كانت هناك عضوية للبرلمان المصري في المجلس البرلماني الأورومتوسطي وهو من أهم التجمعات البرلمانية الإقليمية والذي تأسس في أوائل القرن الحالي بناءً علي توصيات عدة مؤتمرات دولية ولعل أهمها التوصية التي جاءت في إعلان برشلونة. هدف هذا المجلس هو العمل علي جعل منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة أمن وسلام واستقرار لأكثر من سبعمائة مليون نسمة هو تعداد شعوب دول المنطقة. كما كان البرلمان المصري عضواً في برلمانات إقليمية أخري هي الاتحاد البرلماني العربي واتحاد البرلمانات الأفريقية. ولمصر دور واضح في أعمال هذه الاتحادات البرلمانية ومشاركة فاعلة في كل اللجان المنبثقة منها بل وتولت رئاسة البعض منها سواء كانت لجاناً دائمة أو لجاناً خاصة مؤقتة.
من أهم صور تعزيز العلاقات الدولية هي زيارات الوفود البرلمانية المتبادلة بين برلمانات الدول الصديقة وتشكل هذه الزيارات أهمية بالغة حيث يتم فيها تبادل وجهات النظر الثنائية حول ما يثار علي الساحة الدولية من قضايا وأيضاً تتم فيها تبادل الخبرات خلال لقاءات علي أعلي مستوي كان في أغلبها يتم بحضور رؤساء الدول المضيفة ولمصر مكانة دولية جعلتها مقصد العديد من زيارات الوفود البرلمانية كما يتلقي البرلمان المصري دعوات رسمية من برلمانات العالم فيتم إيفاد وفود برلمانية إليها. هناك صورة أخري لأنشطة الدبلوماسية البرلمانية وهي تكوين جمعيات صداقة بين برلمانات الدول وهو ما يتيح مزيداً من التعاون بين ممثلي الشعوب وهناك عدة جمعيات صداقة بين مصر ودول مختلفة كان لها أثر كبير في مزيد من توثيق العلاقات بين مصر والدول الصديقة هذا بالإضافة إلي أنه كان يحدث أحياناً أن تصدر قرارات لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس بتكليف وفد أو عضو برلمان بمهمة معينة في دولة ما حول موضوع بعينه.
هناك كيان برلماني دولي هو «المنتدي البرلماني الأورومتوسطي للنساء» كان لعضوات البرلمان المصري بغرفتيه مجلس الشعب ومجلس الشوري نشاط ملحوظ في اجتماعاته الدورية لتعزيز دور المرأة البرلمانية وتكوين رأي عام دولي حول ضمان ممارسة المرأة لحقوقها الإنسانية في الدول الأورومتوسطية.
هناك دروس مستفادة لمستها من ممارسة هذا النشاط حيث وضعني القدر في موقع أتاح لي المشاركة في مجال العلاقات الدولية بين البرلمانية ولمدة حوالي ثلاثة وثلاثين عاماً رأيت من واجبي وضعها تحت نظر من قد يمارس هذا النشاط في البرلمان الجديد، فهو نشاط له تداعيات كثيرة ويتطلب التسلح بمقومات وخبرة ودراية فكان عليّ أن أبحث وأتعلم وأستزيد من المعرفة في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والديموجرافية ليس فقط علي مستوي الوطن بل علي مستوي العالم إلا أنه وبمرور الوقت أدركت أن هذا ليس كافياً، بل هناك أبعاد أخري مختلفة تماماً لها أكبر الأثر علي المناقشات والمداولات، وأدركت أن العلاقات الدولية ما هي في الواقع إلا علاقات إنسانية، كما أدركت أيضاً أن هناك بعداً مهماً يجب أن يتصدر بل يجب أن يكون المظلة لكل هذه الأبعاد وهو البعد الأخلاقي والقيمي، كما وجدت أيضاً أن لعلم النفس دوراً وأن معرفة ليس فقط ماذا يقال بل متي يقال وكيف يقال له أكبر الأثر علي نفوس المشاركين وينعكس بالتالي علي المناقشات، كما أدركت أيضاً أن أحد أهم الأسلحة التي يجب أن أتسلح به دائماً هو الثقة بالنفس والإيمان الراسخ بالقضية أو المسألة التي أود طرحها، الإيمان المدعوم بالمعلومات السليمة والمنطق، وكلها أبعاد وعوامل متداخلة مع بعضها البعض وأن أي عمل لتحقيق تفاهم دولي أو تعاون بين برلماني يحتاج إلي كل هذه الأبعاد مجتمعة.
لعل أهم الدروس المستفادة هو أنني اكتشفت أنه أصبح عليّ واجب جديد لم أكن علي علم به هو أنه عندما أعود إلي وطني لأمارس عملي البرلماني وإن كانت شأناً محلياً إنما قد تكون له تداعيات خارجية لا يمكن إغفالها في بعض الحالات فتفتحت أمامي آفاق جديدة وأصبحت نظرتي للأمور أعمق مما كانت من قبل وأصبحت أكثر إدراكاً وتفهماً للقضايا السياسية والاجتماعية، وهو ما يساعد علي رفع القدرة التشريعية لعضو البرلمان وأن مصلحة الوطن في كثير من الأمور لا تتحدد منعزلة عن مصالح دول وشعوب أخري وأنه عندما نعالج موضوعا ما في الشأن الداخلي قد يتطلب الأمر حلولاً تتعدي حدود الدولة، هذا بالإضافة إلي أن التعاون الدولي واستمرار الحوار بين البرلمانات يؤدي إلي بلورة رأي عام دولي يؤثر في الإرادة السياسية الدولية التي تنعكس علي الشأن الوطني المحلي إن عاجلاً أو آجلاً.