إذن، فثمة غضب في مصر الآن، لكنه غضب في الاتجاه المعاكس للإخوان، وثمة ضيق ظاهر بمواكب الفلول التي تتداعي علينا، كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها

ربما تكون هذه هي المرة المئة التي يدعو فيها الإخوان إلي ثورة لا تحدث، فثورات الإخوان زوابع في فنجان، ولن تقوم ثورة ولا يحزنون في 25 يناير 2016، وإن كان الإخوان يواصلون الدعوة علي طريقة «استخدام كافة الوسائل المتاحة»، وهو ما يجعلنا نتوقع ـ فقط ـ تدبير عمليات عنف وإرهاب متفرقة، يروح ضحيتها شباب الإخوان قبل غيرهم، وعلي سبيل تسوية حساب الإخوان مع الدائنين، والذين أعطوهم عشرات المليارات مقابل إحداث «فرقعة بمب»، وإن كانت الطلقة سوف تذهب إلي مصيرها «الفشنك» كما كل مرة.
ولا يعني فشل الإخوان السابق واللاحق، أن كل شئ تمام في مصر الآن، فهذا غير صحيح علي الإطلاق، صحيح أن ثمة إنجازات تخطف البصر، ينهض بها الجيش غالبا، أو يشرف عليها، لكن جهاز الدولة الإداري خرابة ينعق فيها البوم، والحكومة والبرلمان في واد آخر بعيد عن إنجازات الرئيس، والظلم الاجتماعي يتفاقم، وانحطاط الأداء يدهس المصريين ويقتلهم في البر والبحر، والفساد يتفشي ويتمطي، وبغير توافر إرادة للتطهير الشامل، ولا تصفية لتحالف البيروقراطية الفاسدة مع مليارديرات المال الحرام، وكلما بدا أن الاقتصاد في سبيله للتحسن، زادت الثقوب والخروق التي تحول السلطة إلي «قربة مقطوعة»، فلا حقوق الدولة والشعب جري تحصيلها من الناهبين، ولا هؤلاء توقفوا عن مزيد من النزح وتهريب المليارات للخارج، والمحصلة : أن غالبية المصريين من الفقراء والطبقات الوسطي تعيش لاتزال في جحيمها، برغم جهود بذلت وتبذل لترميم خدمات الكهرباء ومياه الشرب وخفض الأسعار، وهي جهود لا تنكر، لكن عوائدها تذهب مع ريح الفساد، التي تعصف بكل أثر معنوي إيجابي للمنجزات، وهو ما يزيد من تفاقم الغضب والسخط الاجتماعي، خاصة مع التشوه الذي لحق بولادة البرلمان الجديد، وحوله إلي «برلمان أنابيب»، لا يتسع ضيقه لتدفق مصالح وأشواق الغالبية العظمي من المصريين، والتي قد تجد سبيلها إلي الميدان هربا من بؤس البرلمان، وتحول الغضب الصامت إلي غضب ناطق، تتدافع مظاهره في إضرابات واحتجاجات واعتصامات اجتماعية مرشحة للتزايد، ولا يبدو فيها الإخوان كعنوان بريد سياسي، فالإخوان قوة رجعية يمينية بامتياز، وقوة ثورة مضادة منقطعة الصلة بهموم الشعب، والإخوان كالفلول العائدة في البرلمان والحكومة سواء بسواء، كلهم من سدنة الفساد والظلم الاجتماعي، ويبيعون ذات البضاعة الفاسدة التي لا يشتريها أحد عاقل.
إذن، فثمة غضب في مصر الآن، لكنه غضب في الاتجاه المعاكس للإخوان، وثمة ضيق ظاهر بمواكب الفلول التي تتداعي علينا، كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها، وتنتحل صفة 30 يونيو التي أسقط فيها الشعب حكم الإخوان، والذين انتحلوا بدورهم صفة 25 يناير، بينما الثورة الأصلية في 25 يناير 2011، والموجة اللاحقة في 30 يونيو 2013، كلاهما من صناعة الشعب المصري، ولم يكن الإخوان من دعاة ثورة 25 يناير الأصلية، ولا كان الفلول من دعاة 30 يونيو، وإن تواجد إخوان أو فلول في مشاهد للثورة الواحدة المتصلة، فقد كان ذلك التحاقا عرضيا وركوبا للموجة، وعملية سرقة للثورة وادعاء لصفاتها، وكأن يناير كانت إخوانية، أو أن يونيو كانت فلولية، وكأن وجود تجار مخدرات بالمصادفة التعسة علي «محطة أتوبيس» يغير صفتها، ويحولها إلي «غرزة حشيش»، ولن يسمح الشعب المصري أبدا بتدنيس ثوراته، ولا تزويرها، ولا تحويلها إلي «غرز حشيش»، ولا إلي أوكار للصوص وقوي الثورة المضادة، وقد أسقط الشعب جماعة الإخوان لأنه أحس فيها بطعم جماعة المخلوع مبارك ذاتها، ولن يسكت الشعب المصري طويلا علي جماعة الفلول العائدة إلي مقاعد ومفاتيح التحكم، لكن الدواء لا يكون أبدا بالتي كانت هي الداء، ولا بالتعاطف مع الإخوان، الذين انكشف زيفهم بالتجربة و»كبش النار»، فالشعب المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ويبحث عن اختيار آخر ينتصر به لثورته اليتيمة، لا مكان فيه للإخوان ولا لأشباه الإخوان.
والإخوان ليسوا أهل ثورة، ولا أنصارا لثورة، ولا وجود لكلمة «الثورة» من أصله في أدبيات الإخوان عبر تسعين سنة مضت، لكنهم تعودوا علي الاحتيال والانتحال وإدمان الكذب، وحولوا الكذب من عادة إلي عبادة، وقد سبق لهم أن انتحلوا صفة ثورة جمال عبد الناصر في 1952، تماما كما ينتحلون الآن صفة ثورة 25 يناير، وهم الذين رفضوا أي ذكر لهدف «خلع مبارك» في بيان كتبته بخط يدي، ثم خلعهم الشعب كما خلع مبارك، وقادتهم يعرفون يقينا أنه لا ثورة ولا شبه ثورة في 25 يناير 2016، لكنهم يخادعون شبابهم وما تبقي من جمهورهم، ويريدون تصدير القلق من داخل الجماعة المتآكلة إلي خارجها، فالجماعة تعاني من العزلة الشعبية غير المسبوقة، وتأكلها الانشقاقات الداخلية، وتريد قيادتها حفظ امتيازاتها وملياراتها، وإطفاء نار السؤال عن الهزيمة الكاسحة التي حلت بالجماعة، فالهزيمة يتيمة، بينما النصر له ألف أب، وقد راح شباب وشابات الجماعة ضحايا لقيادة ضالة، تريد الهروب من مسئوليتها عن الهزيمة، وتمضي بشباب الإخوان إلي مهاوي التهلكة، وعلي ظن الثورة التي لن تأتي أبدا، ولا تورث الشباب الإخواني غير المزيد من الاتجاه إلي «الدعشنة»، والتحول إلي جماعة إرهاب، لا تكتب لها سوي الهزائم الحتمية في مصر، فلم يحدث في أي حال، ولن يحدث في الاستقبال، لم ولن يحدث أن تنجح جماعة عنف في هزيمة الدولة المصرية، ومهما بلغ تردي أوضاع الأخيرة، فمصر قبضة يد لا تنفك أصابعها إلي يوم الدين، ومصر ستظل علي «حطة إيد» مينا موحد القطرين، وقادة الإخوان كغيرهم يعرفون هذه الحقيقة الصلبة، لكنهم دخلوا طرفا في مقاولة تفكيك مستحيلة التحقق، يتلقون المليارات، وينفذون التكليفات، ويجعلون غاية همهم إصدار بيانات الدعوة للثورات «الفشنك».