لولا ثقتي وملايين المصريين في الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعبارته المباشرة في الفرافرة « مش هضيعكم «، لاتهمت بعض مفاوضي مصر بشأن سد النهضة، بما لا تتصوره عقولهم. فمن يقلب صفحات التاريخ، يدرك جيدا، الأهمية القصوي للنيل في حياة حكام مصر علي مر العصور، وسعيهم الدءوب لحماية تدفق هذا الشريان في الجسد المصري، بسلاسة وانتظام. ووصلت درجة الأهمية إلي حد السيطرة علي منابع النيل بشكل كامل، في عهد محمد علي والخديو إسماعيل، حيث وصلت حدود مصر إلي منطقة بني شنقول التي يقام سد النهضة عليها حاليا ويناضل أهلها للاستقلال عن إثيوبيا، وإريتريا والصومال وبحيرة فيكتوريا.
لقد أهمل المفاوض المصري ما تحوزه مصر من اتفاقيات تحمي حقوقها المائية أعوام 1902 و1929 و1959. ووجدنا أنفسنا نستجدي إثيوبيا التي تمثل المنبع الرئيسي لنهر النيل، كي تتركنا نحيا، بينما نملك في أيدينا العديد من الأوراق التي يمكن استخدامها، للحفاظ علي وجودنا قبل فوات الأوان.
إذا كنا قد أقررنا خطأ بحق إثيوبيا في بناء السد، فقد أصبح لزاما علينا التمسك دون أي تفريط في الحصول علي إقرارها بحق مصر في الماء الذي يمثل لنا الحياة، كما وصفه الله تعالي في كتابه الكريم « وجعلنا من الماء كل شيءٍ حيٍ أفلا يؤمنون «. لابد من تحرك دبلوماسي مكثف لإقناع العالم بشرعية المخاوف المصرية، مع استمرار التواصل مع الطرف الآخر للحفاظ علي خيط الأمل الرفيع في إثنائه عن تحقيق ما نخشي منه، وتفعيل مبادرة حوض النيل، وزيادة التعاون مع جنوب السودان ودول الحوض لتعظيم موارد النيل الأبيض، وإعداد العدة لاستخدام أي خيار ممكن، كي تبقي مصر - كما أرادها الله - آمنة إلي يوم القيامة.