للأسف الشديد كادت تقارير الاثاريين أن تودي بالتمثال الي التهلكة، حيث نادوا بإزالة أحجار العصر اليوناني الروماني ووضع أحجار كبيرة غيرت في النسب التشريحية لأبو الهول

من المهم أن نسجل ونوثق الأخطاء التي كادت أن تدمر أبو الهول، وذلك لكي لا نسمح بحدوثها مرة أخري في المستقبل.. وتبدأ القصة عندما سقطت أحجار من المخلب الشمالي للتمثال عندها نادي الأثريون بضرورة ترميم التمثال بطريقة علمية، وللأسف الشديد فإن تقارير اللجان كادت أن تودي بالتمثال الي التهلكة، حيث نادوا بإزالة أحجار العصر اليوناني الروماني ووضع أحجار كبيرة غيرت في النسب التشريحية لأبو الهول. هذا بالإضافة الي إستعمال الأسمنت علي نطاق واسع، الأمر الذي كان بمثابة السرطان الذي يأكل جسم التمثال ويلفظ كل الأحجار التي وضعت علي جسده.
لم تتوقف فوضي التدمير -أقصد الترميم- عند هذا الحد بل إن مخالب التمثال بالقدمين الخلفيتين تم إزالتهما تماماً! ولم يكن هناك خبراء ترميم يشرفون علي الأعمال بل إن العمال كانوا يعملون وحدهم دون رقيب أو من يتابع، وكأن الهدف هو تدمير أبو الهول وليس ترميمة؟! بإختصار كانت هذة الأعمال محض إجتهادات بائسة من أدمغة فارغة، وليس بناء علي العلم والدراسة، وكانت النتيجة الطبيعية هي عدم تحمل التمثال الكميات الضخمة من المونة (الأسمنت والجبس) التي منعت صخرة التمثال من التنفس، وبالتالي طرد كل ما عليها من مواد ضارة وغريبة، حيث بدأت عوامل التحلل وظهور الأملاح تأخذ في الإنتشار علي سطح الأحجار الجديدة وأيضاً بدأت في الظهور خلال العمل عند مؤخرة المخلب الشمالي وكانت الكارثة بقطع المخالب التي شكلها المصري القديم في الصخر الطبيعي للتمثال! وكنت في ذلك الوقت أدرس للدكتوراه بجامعة بنسلفانيا وفي مصر كان مارك لينر يصرخ وهو يشاهد هذا التدمير الذي يحدث للتمثال وكتب لي خطابات يشرح ما يحدث لأبو الهول، وكنت بدوري أتحدث وأرسل الي المسئولين في ذلك الوقت ولكن دون جدوي. فلا المهندس المسئول عن الأعمال يقوم بعمله ولا يعنيه من قريب أو بعيد سلامة أبو الهول أو تدميرة!
عدت الي مصر في أغسطس عام ١٩٨٧بعد حصولي علي درجة الدكتوراه وتسلمت عملي بمنطقة الهرم، وشاهدت المهزلة المسماه بترميم أبو الهول وعلمت أن الأثريين بمنطقة الهرم ممنوعين من دخول حرم أبو الهول أو الإشراف علي الترميم! ولم يكن أمامي من سبيل سوي وقف العمل وطرد العمال من حول أبو الهول، وغلق حرمه تماماً وتحرير مذكرة بالأسباب التي جعلتني أوقف العمل حتي يتم عمل مشروع إنقاذ علمي لتمثال أبو الهول.
لم أصرح بأي معلومات حتي حدث في فبراير ١٩٨٨ سقوط جزء من كتف أبو الهول الأيمن وهو حجر مرمم عن طريق المسيو باريز في عام ١٩٢٦، وتحولت قضية إهمال أبو الهول الي قضية سياسية، ولكن كان المهم أن الجميع إنتبه الي ضرورة إنقاذ أقدم مريض في العالم .. أبو الهول