الاغتيال لليس للأشخاص فقط، بل للمدن أيضاً، والمدينة التي اغتالوها هي مدينة الإسكندرية، التي كانت عاصمة العالم الثقافية ذات يوم.
تبدأ قصة الإسكندرية في العصر الحديث مع محمد علي، فقد لاحظ الرجل أن هذه المدينة ذات التاريخ قد فقدت دورها، وتحول مركز الثقل إلي رشيد، وبحث محمد علي عن السبب في هذا فتبين أنه عدم وجود مصدر مياه عذبة يغذي المدينة، وبنظرته الثاقبة أوجد الحل، ومد فرعاً من النيل للإسكندرية، أسماه ترعة المحمودية، فتغيرت الموازين، شرب الناس، وتحولت الأرض المحيطة بالترعة إلي حقول خضراء، وجاء السكان من كل صوب للعمل والسكني، وبعودة الميناء للحياة جاء التجار، واستقر عدد كبير من الأجانب بالمدينة، وبدأت في المدينة الشابة حركة ثقافية مزدهرة، فنشأت الصحف والمسارح، وصارت اسكندرية عاصمة تجارية وثقافية بحق خلال سنوات معدودات.
وربط عباس حلمي الأول بينها وبين القاهرة بخط حديدي فازدادت أهميتها. وكان قلب المدينة مركز الحركة، لكن إلي جانب المركز كان هناك شيئان مهمان، أولهما : الزراعة التي تسير مع المحمودية، بحيث يمكن القول إن الإسكندرية كانت مدينة زراعية، ومنطقة الرمل، المتاخمة للبحر والتي تمتد بطول الجانب الشرقي من المدينة. أما الجزء الغربي من المدينة فكان مهجوراً تقريباً ليس به غير مزارع التين.
مع الزمن زاد عدد السكان، ولم يهتم أحد بالتخطيط لمواجهة التوسع العمراني المحتمل، فكانت النتيجة أن التهم التوسع العمراني كل المساحات الخضراء، وخرجت مناطق العوايد والراس السوداء والسيوف والمعمورة من كردون الزراعة، كما لم يبق من الرمل حبة رمل واحدة. ورغم كل هذا لم ينتبه أحد لضرورة وجود إسكندرية جديدة، والنتيجة أن العمران الآن بعد أن احتل كل المساحات المتاحة أفقياً تحول للامتداد الرأسي، وصرنا نري في الحواري والأزقة عمارات يصل ارتفاعها إلي عشرين طابقاً.
ترتب علي هذا زحام شديد، وضغط فوق الطاقة علي المرافق، وتدهورت الخدمات، ولاتبحث وسط هذا طبعاً عن الجمال، فقد امتدت يد القبح إلي كل شيء. وزاد وغطي إهمال المسئولين، ويكفي أن تري أكوام القمامة في الشوارع لتعرف مدي الإهمال، أما المرور فغائب تماماً، التكاتك تسيطر علي المدينة وتنشر فيها العشوائية، والباعة الجائلون يفترشون الشوارع، والميكروباصات تتخذ لنفسها مواقف عشوائية، فإذا انتقلنا للطرق لوجدنا أن الإهمال دمرها تدميراً، وأكمل عليها إدخال الغاز الطبيعي، وحسبك أن تسير في منطقة السيوف لتري أبشع صورة للطرق المدمرة.
أما الصرف فهو مشكلة كبري، وقد رأينا كيف وصلت مشكلة عدم القدرة علي صرف مياه المطر لحد المأساة هذا الشتاء.
علي أي حال لاأريد أن أعرض المشاكل فحسب، بل أريد أن أقدم اقتراحات عملية للحل، أرجو أن يتبناها الأخ العزيز الدكتور أحمد زكي بدر وزير الحكم المحلي، وأهم الاقتراحات هو تخفيف الضغط عن المدينة، عن طريق :
1- مد خطوط للمترو لربط الإسكندرية بالمدن المحيطة وهي برج العرب والعامرية والنوبارية
2- تقديم الأراضي في هذه المدن الثلاثة بأسعار مخفضة، وتقديم حوافز للمواطنين الذين ينتقلون من الإسكندرية لهذه المدن
3- بناء مدينة الإسكندرية الجديدة لاستيعاب الزيادة المتوقعة، فضلاً عن بعض الزيادة الحالية
بالإضافة لعدة مقترحات عاجلة، هي :
1- وقف الارتفاعات غير القانونية وغير المرخصة فورا والحبس الفوري للمخالفين.
2- وضع مشكلة القمامة علي رأس الأولويات، وحلها من خلال تسليم سيارات مجهزة للشباب لنقل القمامة من الشقق والدكاكين مباشرة للمقلب، وبيع القمامة للنباشين.
3- تشكيل لجنة عاجلة لبحث التطوير العمراني للمدينة، وتحسين الخدمات، يكون من ضمن أعمالها نقل المقابر خارج المناطق السكنية، وتدبير حدائق جديدة، وتخطيط المناطق التي لم تخطط ولم يكتمل عمرانها، مثل المناطق المتاخمة للعجمي، حتي لايستمر النمو العشوائي.
هل يسمعني أحد من المسئولين ؟