قصص القرآن| حكم داود وسليمان فى تفسيرات «الشعراوى»

محمد متولي الشعراوي
محمد متولي الشعراوي

استطاع إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، باسلوبه البسيط أن يصل بالمفاهيم الدينية والقصص المتباينة إلى قلوب الملايين، وكان للقصص النبوى الذى يستعرضه الإمام الراحل، طابع خاص، حيث قام بتفسير حكم داود وسليمان كما جاء فى القرآن الكريم.

حيث أكد الإمام الراحل أن الحق سبحانه وتعالى يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ»، قوله سبحانه: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» أي: بقيتْ فيه النبوة وحمل المنهج، لا الملك لأن الأنبياء لا تورث كما جاء فى الحديث الشريف: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).

وأضاف الإمام الراحل، أن هذا يدل على أن سليمان جاء بعد داود، وقد ورث عنه النبوة مع أنهما متعاصران، بدليل قوله تعالى فى موضع آخر: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ» «الأنبياء: 78».

وقال الإمام : إذن كان سليمان مع داود فى هذه الحكومة وفى العلم، لكن الحق سبحانه جعل العلم منازل، بدليل أنه قال: «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ» «الأنبياء: 79» مع أن أباه موجود، وحكم فى القضية بأن يأخذ صاحبُ الزرع الغنم التى أكلت.فلما خرجوا من عند داود سألهم سليمان عن حكم أبيه، فأخبروه بما قال، فقال سليمان: بل يأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بها، ويأخذ صاحب الغنم الزرع يصلحه حتى يعود كما كان، وعندها يأخذ صاحب الغنم غنمه، وصاحب الزرع زرعه.والحق تبارك وتعالى يعطينا هذا المثل مع نبى وأبيه، لا مع نبيين مختلفين بعيدين، وفى هذا إشارة إلى أن حقّ الأبوة على سليمان لم يمنعه من مخالفة أبيه فى الحكم؛ لأن الله تعالى قال عنهما «وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً» «الأنبياء: 79» فكلٌّ منهما يحكم على مقتضى علمه الذى منحه الله.

وأضاف الشعراوى: "ومن هذه الحادثة أخذنا مشروعية الاستئناف والنقض وفى أحكام المحاكم، فقاضى الاستئناف حينما يُعدِّل فى حكم القاضى الابتدائى لا يُعَدُّ هذا طعْناً فيه، إنما كل منهما حكم بناءً على علمه، وعلى ما توفّر له من أدلة ووقائع، وربما فطِن القاضى الثانى لما لم يفطِنْ له القاضى الأول".

إذن: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُود» «النمل: 16» لا تعنى أنه جاء بعده، إنما هما متعاصران، وورثه فى العلم والنبوة والحكمة، لا فى الملْك والمال؛ لأن الله تعالى يريد أن يكون الرسول بعيداً فى رسالته وتبليغه عن الله عن أيِّ نفع يجيء له، أو لذريته.لذلك كان الفقراء من أهل النبى صلى الله عليه وسلم لا يأخذون من زكاة المؤمنين، لكن أين هذا التشريع الحكيم مما يحدث الآن من الحكام والرؤساء والمسئولين ممَّنْ يوالون أقاربهم، وينهبون البلاد من أجلهم.

«وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير» فالطير له منطق ولغة؛ لأنه كما قال تعالى: «وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ» «الأنعام: 38» والآن ومع تقدُّم العلم يتحدث العلماء عن لغة للنمل، ولغة للنحل، ولغة للسمك.. إلخ.

وهذه المخلوقات تتفاهم بلغاتها بدقَّة تفاهم غريزى، لكننا لا نفهم هذا المنطق، والحق تبارك وتعالى يُعلِّمنا: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» ومعنى «وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ» «النمل: 16» أى: من النِّعَم على الإطلاق، وبعد قليل سنسمع نفس هذه العبارة يقولها الهدهد عن ملكة سبأ «وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ» إذن: فهى مثله فيما يناسب أمثالها من الملوك لا فى النبوة وحَمْل المنهج «إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين» الفضل المحيط بكل الفضائل.