اعترافات صوفيا لورين فى عمر الـ 86.. «الحياة مقبلة»

صوفيا لورين فى مشهد من فيلم «الحياة المقبلة»
صوفيا لورين فى مشهد من فيلم «الحياة المقبلة»

يمثل فيلم "الحياة المقبلة" "The Life Ahead’s"عودة كبرى ومذهلة لأسطورة العصر الذهبى لهوليوود وأيقونة السينما الإيطالية النجمة صوفيا لورين، التى تستمد قوتها هذه المرة من تفاصيل حياتها الخاصة ورغبتها فى إدهاشنا وهى فى السادسة والثمانين من العمر فى تحد جديد عبر عمل يصور تداعيات امرأة عاشقة تعيش حالة الفقد ووهم عودة الحبيب.

تظهر صوفيا بعد فترة طويلة من الغياب أو التقاعد، حيث كان آخر فيلم لها منذ 11 عاما بعنوان "الصوت الإنسانى"، لتلعب هذه المرة دورا مميزا وملهما فى فيلم من إخراج ابنها إدواردو بونتى، مبنى على رواية للكاتب الفرنسى رومان جارى "The Life Before Us"، حيث تجسد شخصية "مدام روزا"، الناجية من المحرقة الألمانية، تدير بيت غير رسمى على شواطئ مدينة بارى الايطالية لرعاية الأطفال الذين تخلت أمهاتهم عن رعايتهم فى مجتمع يسمح فى كثير من الأحيان بالانزلاق نحو الهاوية، مع اقترابها من نهاية حياتها، تجد روزا صبيا مراهقا استقبلته لترعاه رغم محاولته سرقتها، لكنه يساعدها على تجاوز الظروف الصعبة. هوالصبى "مومو" مسلم من السنغال، لا يتذكر وطنه الأم. قتل والده والدته عندما رفضت مواصلة ممارسة الدعارة مع زبائنها.

يجسد دوره إبراهيما جوى، 12 عامًا، فى أول دور تمثيلى حقيقى ومن خلال عينيه يتم سرد قصة حب وألم وصداقة قوية بين الاثنين بأداء رائع.

استمدت لورين جزءا من توهجها من "صلابة وهشاشة" والدتها، روميلدا فيلاني. حيث تتذكر قائلة" ان الروح القتالية لفيلانى، ألهمتها طوال مسيرتها الأسطورية التى امتدت لسبعة عقود، والتى سعت خلالها دائمًا للعب دور المرأة القوية".

وقالت إن والدتها كانت تمتلك "قوة لا تصدق وربت طفلين، بدون زوج، فى نهاية الحرب العالمية الثانية، بحنكة وحب وتصميم". وتصف السيدة روزا فى الفيلم بأنها متشابهة "هى كل ما تمثله المرأة، وكل ما كنت أرغب دائمًا فى عرضه على الشاشة".

وعلى مر السنين جاءت محطات مختلفة لانطلاقة لورين الكبيرة كان عليها أن تقاتل للحصول على العديد من الأدوار التى تريدها، والأدوار التى كانت تعرف أنها مناسبة لها حاربت لتلعب دور الأم فى فيلم " امرأتان " (1960) حيث جسدت بقوة دور أرملة شابة تحاول حماية ابنتها من فظائع الحرب العالمية الثانية، وأصبحت أول ممثلة تفوز بجائزة أوسكار عن أداء بلغة غير الإنجليزية، قدمت لورين لاحقًا دور البطولة فى فيلم "الأمس واليوم والغد" (1963)، عادت إلى الشاشة بقوة فى دور أم هاربة من أهوال الحرب فى فيلم "امرأتان"

وطوال حياتها المهنية الغزيرة، أعادت لورين تعريف مفهومنا للجمال، وتمكنت من تجنب تصنيفها كرمز للجنس واستغراق الوقت لتربية الأسرة. تقول عن أخذ استراحة من التمثيل لقضاء بعض الوقت مع طفليها وزوجها، وبالطبع، احد الطفلين هو مخرجها فى "الحياة قادمة ".

تقول لورين: "عندما عرض ابنى الدور على، اغتنمت الفرصة فهو يعرفنى جيدًا. لذلك يمكننى حقًا أن أقدم له أفضل ما يمكننى دائمًا، والفيلم هو التجربة الثالثة مع بونتى بعد "بين الغرباء" (2002) والفيلم القصير "صوت الإنسان" (2014) وإن ابنها حريص جدًا فى التعامل مع كل التفاصيل فى الفيلمإنه يضع فى قلبه الكثير تجاهى " فى أحد المشاهد فى الفيلم، تشارك السيدة روزا مومو الوقوف على سطح المنزل وقد اكتشفت أنها تعانى من اضطراب فى الذاكرة. ومع هطول الأمطار على وجه لورين مباشرة، طلب بونتى من والدته ألا تتحرك أو ترمش فى جميع أنحاء المشهد، وهو ما اعترفت بأنه شبه مستحيل "لم أتمكن حتى من التفكير. ولكن إذا طلب منى ابنى أن أفعل شيئًا، سأفعل، لم أغمض عينى. ولم يكن الأمر سهلا وهو مشهد لا يُنسى. " فيما يقول بونتى، "تقترب والدتى من كل دور، وكل مغامرة، برغبة فى استكشاف جوانب منها ربما لم تستكشفها بعد. إنها ليست خائفة من السقوط والنهوض، وهى تسمح لى بكشف تلك الأجزاء لأن هناك مثل هذا المستوى من الثقة بيننا ".

تقول لورين عن استعدادها الخاص لأداء الشخصيات "بالنسبة لكل شخصية، فإن إعدادى لها هو نفس ما تعودت عليه، أنا افتش فى أعماق نفسى وأحاول إظهار المشاعر الحقيقية ومدام روزا، امرأة نابولية جميلة وقوية مثلى وهو الدور الذى كنت استعد له طوال حياتى". لورين−التى كان آخر فيلم لها منذ ما يزيد عن عقد من الزمان−قالت انها أحضرت المشروع إلى ابنها، اوأخبرته أن السيدة روزا هى "شخصية رائعة أنا أعتقد أنه ربما يمكننى أن أكون جيدًا معها ".

والحقيقة تسكن لورين دور السيدة روزا كما لو كانت مكتوبة لها نقلت إلى الشاشة حياتها من الخبرة والموهبة والشعور بالحقيقة، دافئة وغريبة، متسلطة ومضحكة، قوية وهشة، لقد عاشت روزا حياة صعبة، وهذا يظهر على وجهها، أفعالها، لكنها ما زالت قادرة على القيام بأعمال سخية كبيرة، غالبًا ما تدخل مدام روزا فى حالات الشرود عندما تكون صدمة ماضيها أكثر من اللازم. فى تلك اللحظات، تبدو روزا أو لورين محطمة حقًا، تحدق فى الفضاء وتقع فى نوبات توحى بالذكريات المؤلمة للمحنة التى مرت بها فى شبابها.. لكن كان "مومو " بجانبها عندما تحتاج إليه ويصبح الشخصان مساندين لبعضهما البعض.

بلا شك عودة أيقونة السينما " صوفيا لورين " إلى التمثيل والظهور على الشاشة وهى فى سن السادسة والثمانين حدث سينمائي بامتياز وهى تمثل دور البطولة فى الفيلم الذى يمكن اعتباره تحية تبجيل من ابنها المخرج إدواردو بونتى لوالدته، وكان الاداء عظيما من صوفيا فى دور روزا، التى يصيبها الخرف فى بعض الأحيان ولكن متمسكة بالرعاية الصارمة والحنان المتبقى رغم الماضى القاسى التى مرت به فى طفولتها مع محارق الهولوكوست. وقدم (إبراهيما جوي) أداءً طبيعيًا رائعًا وهو يشكل نقطة محورية فى القصة التى يرويها يروى سيرته على لسانه بنفسه وهو ممثل بارع سيكون له مستقبلٌ فى السينما،وظهركشخصية مستقلة، فطنٌ وحاد الذكاء، وجريء، ويسأل أسئلة واقعية.

وعلى الرغم من مشاكساته إلا أنه واقعى فى تفكيره وفى سلوكه، وتقوده واقعيته أن يدرك حقيقة الواقع ويفهم معنى الحياة وأن يتلمس نسيج العلاقة الإنسانية، ما يدفع دموع المشاهد إلى النزول ازاء أكثر من مشهد.. فى ( الحياة المقبلة ) يُظهِرها المخرج فى دور الضحية اليائسة من عودة أى غائب، لأنها هى نفسها دخلت فى دور الغياب. لذلك فهى تلوذ لحالة من الصفاء وهى تحاول التخلص من كوابيس معسكرالنازى الذى نجت منه. ويبدو أنه مصممٌ على تخليد مسيرة والدته.. من خلال إخراجه لأفلام لها فى هذه السنوات الأخيرة من عمرها.

ونحن نشاهد الفيلم يبرز أمامنا سؤال ويظل يتنامى فى أذهاننا طوال المشاهدة : هل نحن نتابع سيرة ( مدام روزا ) التى تقترب من المحطة الأخيرة من حياتها، كما يوصلنا إليها الفيلم ؟ أم نحن نقرأ سيرة " صوفيا لورين " نفسها وهى فى السادسة والثمانين من عمرها وتتحرك أمام الكاميرا متحدية ً الزمن لتقدم لنا شخصية تختلف عن جميع أدوارها طوال أكثر من نصف قرن ؟ لورين تحضر فى هذا الفيلم بكل بهائها الجمالى وتاريخها السينمائى، ليبدو أنه يتحدث عن سيرتها هى وليس سيرة " روزا"، كما انه ليس فيلماً إنسانياً فحسب، بل هو فيلم موجعٌ، فيلمٌ مدروس بعناية من جميع جوانبه الأدبية والسينمائية المخرج بونتى قال "لقد وجدت قصة الصداقة والحب بين السيدة روزا ومومو، وهما شخصان يفصل بينهما كل شيء-العرق والدين والثقافة- ومع ذلك فهما وجهان لعملة واحدة..لقد نشآ بدون عائلة وعرفا المعاناة، ولكن الأهم من ذلك هو رؤيتهما الأمل وهذا أثر فى حقا " ويضيف "أحب العمل مع والدتى أنها ممثلة رائعة.

وما أحبه أكثر من أى شيء آخر هو أن أقدمها للعالم بالطريقة التى أراها للعالم من خلال عينى، لإعطاء الناس النسخة الكاملة الأكثر أصالة من صوفيا، وليس صوفيا، الأيقونة بالأحرى صوفيا، الأم، المرأة، الممثلة، الفنانة.

ويقول بونتى "فى حياتى، إذا كان بإمكانى العمل مع ممثلة واحدة فقط، سوف أعمل مع والدتى مرارًا وتكرارًا. لم تمنحنى الحياة فحسب، بل قدمت لى عملاً جميلاً فى أفلامى".

وتعود صوفيا لتقول دور السيدة روزا−امرأة تحتضر تعتنى بأطفال النساء اللواتى سارت معهن ذات مرة فى شوارع مدينة بارى الإيطالية - كان لا يقاوم استدراجى للعودة، وما لمسنى حقًا بشأن مدام روزا. كانت مليئة بالحياة ولكنها فى نفس الوقت كانت تعانى من مشاكل مع العالم وكل شيء آخر. كانت دائمًا محاطة بأطفال صغار جدًا وكانت تبدو دائمًا وكأنها ربما لم تكن حريصة جدًا عليهم".