«قصر الأمير بشتاك».. مركز للإبداع وقيمة معمارية نادرة بشارع المعز | صور

قصر الأمير بشتاك
قصر الأمير بشتاك

في قلب القاهرة الفاطمية، وفى أحد شوارعها الذي يجمع بين تراث الماضى وجمال الحاضر يقع قصر الأمير بشتاك، الذي يعد من أفخم المباني ذات القيمة المعمارية النادرة في شارع المعز، حيث يقع بالتحديد فى شارع بين القصرين الذي يوجد به العديد من المباني التي ترجع إلى العصر الفاطمي والمملوكي، بجوار سبيل الأمير عبد الرحمن .

أنشأه الأمير سيف‏ ‏الدين‏ ‏بشتاك‏ ‏الناصري، ‏أحد‏ ‏أمراء‏ ‏الناصر‏ ‏محمد‏ ‏بن‏ ‏قلاوون‏ ‏الذي ‏قتل‏ ‏بمكيدة‏ ‏من‏ ‏الأمير ‏قوصون‏ ‏أثناء‏ ‏حكم‏ ‏السلطان‏ ‏الأشرف‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏كجك، يعود تاريخ إنشاء هذا القصر إلى عام 1339م، وقد تعرض لبعض التصدعات على مر الزمان بلغت ذروتها بعد زلزال عام 1992، ولكن تم ترميمه بالتعاون مع معهد الآثار الألماني.


تأريخ «المقريزي» للقصر

وقد أرّخ المقريزي في كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، القاهرة، 1853م» لقصر الأمير بشتاك، قائلاً: قام ببناء القصر الأمير سيف الدين بشتاك الناصري، واشتراه منه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بستة آلاف درهم، وتقلد بشتاك، الذي قُتل عام 742 هـ، عدة مناصب إلى أن وصل لمنصب أمير شكار، أي الأمير المسؤول عن أمور الصيد السلطاني، وبعدها أصبح كاتباً لسر السلطان، الأمر الذي جعله يحظى باحترام الناصر قلاوون، ولذلك فكثيراً ما كان يغمره بهداياه، إلا أنه بعد وفاة الناصر قُبض على بشتاك، واعتقل بالإسكندرية وقُتل، لكن جثته نقلت سنة 748 هـ من الإسكندرية ليدفن بتربة سنجر الجاولي بالقاهرة، ولم يتبق من أثره غير القصر الذي يحمل اسمه.


وعلى الرغم من أن المقريزي، قال: إن القصر كان من أعظم مباني القاهرة، إلا أنه ذكر أيضاً أن بشتاك لم يعش في هذا القصر رغم بهائه، وأن صدره كان ينقبض عندما ينزل فيه، ولا يستريح حتى يخرج منه إلى أن كرهه وباعه إلى زوجة الأمير بكتمر الساقي، ثم استولى عليه السلطان حسن، ثم آلت ملكيته إلى السلطان فرج بن برقوق، وأوقفه على ضريح والده السلطان برقوق.
القصر

يتكون‏ القصر ‏من‏ ‏طابقين‏، ‏الأرضي ‏به‏ ‏قاعة‏ ‏وإسطبلات للخيول‏ ‏ومخازن‏ ‏غلال‏ ‏وغرف‏ ‏للخدم، أما الطابق‏ ‏العلوي فيضم‏‏ ‏قاعة‏ ‏الاحتفالات‏ ‏وغرف‏ ‏النوم،‏ وكان‏ ‏يحتوي على ‏طابق‏ ‏ثالثا‏ ‏للحريم‏ ‏لكنه‏ تهدم. ‏ ‏

والقاعة‏ ‏الرئيسية‏ ‏‏يتصل‏ ‏بها‏ ‏سلم‏ ‏صاعد‏ ‏يتقدمها‏ ‏سطح‏ ‏مكشوف‏ ‏وتتكون‏ ‏من‏ ‏أربعة‏ ‏إيوانات‏ "‏مساحة‏ ‏مربعة‏ ‏مفتوحة‏ ‏للجلوس‏"،‏ ‏والأسقف‏ ‏الخشبية‏ ‏يتدلى ‏منها‏ ‏وحدات‏ ‏إضاءة‏ ‏فريدة‏ ‏الشكل، ‏بالإضافة‏ ‏إلى‏ ‏الإيوان‏ ‏الشرقي ‏الذي ‏يمتاز‏ ‏بمشربياته‏ ‏الخشبية‏ ‏الكثيرة‏، ‏والإيوان‏ ‏الغربي الذي يضم ‏نوافذ‏‏ ‏معشقة‏ ‏بالزجاج‏ ‏الملون،‏ ‏أما‏ ‏الإيوانان‏ ‏الشمالي ‏والجنوبي ‏فيحوي ‏كل‏ ‏منهما‏ ‏بائكات‏ ‏ثلاثية‏ ‏العقود‏ ‏ترتكز‏ ‏على‏ ‏أعمدة‏ ‏رخامية‏ ‏ذات‏ ‏قواعد‏ ‏وتيجان‏ ‏على‏ ‏الطراز‏ ‏الإسلامي،‏ ‏وملحق‏ ‏بهذه‏ ‏القاعة‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الحجرات‏ ‏ودورات‏ ‏المياه‏، كما توجد‏ ‏ بجوار‏ ‏الإيوان‏ ‏الشرقي‏ ‏‏فتحة‏ ‏باب‏ ‏مؤدية‏ ‏إلى‏ ‏ممرات‏ ‏مطلة‏ ‏على القاعة المخصصة للاحتفالات‏ بالدور‏ الثاني.‏ ‏

وكانت‏ ‏هذه‏ ‏الممرات‏ ‏تستخدم‏ ‏قديما‏ ‏لرؤية‏ ‏ما‏ ‏يجري في القاعة،‏ ‏حيث‏ ‏كانت‏ ‏النساء‏ يجتمعن‏ ‏بغرف‏ ‏الحرملك‏ ‏بالدور‏ ‏الثالث‏ ‏المندثر‏، ‏ولا‏ ‏يسمح‏ ‏لهن‏ ‏بالجلوس‏ ‏مع‏ ‏الضيوف‏ ‏بالدور‏ ‏الثاني.



ولقصر بشتاك ثلاث واجهات، الأولى هي الواجهة الرئيسية التي تقع في الجهة الشمالية الغربية وتطل على شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتتكون من ثلاثة طوابق محلاة بالمشربيات ذات الرسوم الهندسية الدقيقة، أما‏ ‏الواجهة‏ ‏الثانية‏ ‏فتقع‏ ‏بالناحية‏ ‏الشمالية‏ ‏الشرقية‏ ‏وتطل‏ ‏على ‏درب‏ «‏ترمز»، و‏بها‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏النوافذ‏ ‏المغطاة‏ ‏بأجنحة‏ ‏معدنية وبها‏ ‏أيضا‏ ‏بوابة‏ ‏تؤدي ‏للقصر،‏ أما الواجهة الثالثة بالجهة‏ ‏الجنوبية‏ ‏الغربية‏ ‏تطل‏ ‏على‏ ‏حارة‏ ‏بيت‏ ‏القاضي.‏ ‏

وبالنسبة‏ ‏للمدخل‏ ‏الحالي ‏فيتم‏ ‏الوصول‏ ‏إليه‏ ‏بسلم‏ ‏خشبي ‏مزخرف‏ ‏يؤدي ‏إلى‏ ‏باب‏ ‏خشبي ‏عليه‏ ‏كتابات‏ ‏عن‏ ‏منشئ‏ ‏القصر‏ ‏وتاريخ‏ ‏إنشائه‏.


بيت الغناء العربي

أنشأت وزارة الثقافة بداخل قصر الأمير بشتاك بيت الغناء العربى، الذي كان الهدف من إنشائه المحافظة على هوية الغناء العربي، فجاء قرار وزير الثقافة فاروق حسني عام 2009م، بتخصيص قصر الأمير بشتاك بشارع المعز لدين الله الفاطمي، ليكون مقرًا لبيت الغناء العربي كأحد مراكز الإبداع الفني التابعة لصندوق التنمية الثقافية، ليقدم من خلاله تدريبات في الغناء العربي وتكتشف من خلاله أصوات جديدة وعازفين على قدرٍ عالٍ من المهارة والاحتراف.

و تستضيف قاعة الاحتفالات مجموعة من الحفلات الموسيقية والغنائية، التي تُقدم نتاج ورش التدريب، كما يُقام بها عدد من حفلات الموسيقى العربية في المناسبات المختلفة، كما يضم بيت الغناء العربي منفذاً لبيع الإصدارات الغنائية والموسيقية، ومن المقرر إصدار أعمال غنائية وموسيقية لخريجي بيت الغناء العربي، بالإضافة إلى أهم الإصدارات المتعلقة بالموسيقى العربية المسموعة والمرئية.


ويسعى بيت الغناء العربي للحفاظ على التراث الموسيقي والتركيز على الأجيال الجديدة من خلال المدرسة التي تقدم دراسة فنية وموسيقية على يد كبار الفنانين للأجيال الشابة من الفنانين، من أجل خلق جيل جديد قادر على الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي العربي وقادر على نقله إلى آخرين، فهناك أشكال فنية وآلات موسيقية شرقية أوشكت على الاندثار نتيجة قلة الاهتمام بها وعدم وجود أماكن تقوم بتعليم هذه القوالب الفنية.
أما خلال شهر رمضان فيستضيف البيت أنشطة فنية وحفلات موسيقية لبعض فناني الطرب والموسيقى الشرقية المصريين والعرب، إضافة إلى بعض حفلات لشباب الموسيقى العربية، ولا يقتصر النشاط على الموسيقى والغناء فهناك جاليري للفنون التشكيلية أيضا .

تطوير القصر
عانى قصر الأمير بشتاك سنوات طويلة من الإهمال وعدم إجراءات أعمال صيانة أو ترميم له، إلى أن تدخل مشروع تطوير القاهرة التاريخية بمشروع ترميم شامل للقصر بداية من عام 2003م  وانتهى فى عام 2007م بتكلفة حوالى 6 ملايين جنيه.