التجربة الكورية بها الكثير من الرسائل إلي مصر أهمها هو إعادة النظر في التكالب علي المطالب في وقت واحد ويتم تجاهل ترتيب الاهتمامات حسب أولوياتها ووحدة الشعب والتفافه خلف قيادته الوطنية.
بالرغم من الفقر السحيق والوقوع في مذيلة الأمم في الماضي القريب في كل المجالات فإن الحاضر الكوري هو مستقبل مأمول لمصر بكل أحلامه، لقد استطاعت كوريا التحول من أفقر دول العالم إلي واحدة من أغناها.
- في عام ١٩٦٢ تولي قيادة كوريا ومؤسسها الحديث الرئيس بارك وكانت أولي خطواته تأسيس مجلس تخطيط اقتصادي وكانت مهمة هذا المركز ليس التخطيط فقط بل الإشراف علي التنفيذ أيضا وكان يعتمد الرئيس بارك علي مركزية الإدارة هنا كما ذكرت سابقا طريقة الرئيس التنفيذي للشركة وليس كرجل سياسة، وكانت المهمة الأولي هي تطوير البنية التحتية لكوريا باعتبارها محركا اقتصاديا وعاملا قويا لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات الأجنبية وتأمين مصادر الطاقة والطريف في الأمر كان الهدف المعلن لمعدل النمو كان ٧.١٪ لأول خطة خمسية لكن كان المستهدف أعلي من ذلك وكان يتم الإعلان عن الخطوات الاقتصادية بعد الاستهلال في اتخاذها، نفس الطريقة التي يتبعها الرئيس السيسي (خوفا من أهل الشر)، هل قرأ السيسي عن بارك أم هي فطرة يتمتع بها من يسخرهم القدر لرفعة الأوطان؟.
- في المرحلة التالية تم التركيز علي سياسة التصنيع للتصدير كمحرك أساسي للاقتصاد الكوري. ففي سبيل الوصول إلي الهدف المنشود من هذه السياسة اعتمد الرئيس بارك علي إنشاء ما يسمي (تشابول) وهي تكتل الشركات وهي تختلف عن الشركات القابضة حيث إنها مجموعة شركات متحدة تقوم بتصنيع منتجات مختلفة أو القيام بأنشطة اقتصادية مختلفة لذلك تري اليوم هيونداي للإنشاءات وهيونداي للسيارات وهيونداي لبناء السفن وهيونداي للإنشاء وهيونداي للدفاع إلخ وسامسونج ودايو وشركة إس كي وغيرها من التكتلات. كل هذه التكتلات بالطبع تكتلات لشركات خاصة لكن كانت تسير بمقتضي رؤية اقتصادية واحدة خلف القيادة السياسية للبلاد فكان الرئيس بارك يسهل لهم الحصول علي القروض من الدولة وسعي أيضا للحصول علي التمويل الخارجي لدعم أنشطة هذه الشركات.
- من ضمن العوامل الجوهرية التي ارتكزت عليها الانطلاقة الاقتصادية الكورية هي تقليل الواردات بشكل يقترب من المنع ماعدا المواد الأولية بالطبع وهي السياسة الحمائية المجرمة طبقا لقواعد الاقتصاد الدولي. لكن كانت أمريكا داعما أساسيا لها في هذا الأمر والعامل الجوهري الآخر للانطلاقة هو الاستثمار الأمريكي فقد شكل فيما بين عامي ١٩٦٢ و١٩٦٨ حوالي ٨٢٪ وعلاوة علي ذلك كانت أمريكا هي الوجهة الأولي للصادرات الكورية فيتضح من ذلك أن دعم قوي عظمي لتوجه دولة ما اقتصاديا وبالأحري في مرحلة البناء يعد قوة دافعة تتخطي الحواجز والعقبات.
- لقد مرت كوريا بعد الانطلاقة الأولي بعدة مراحل اقتصادية متعددة كانت كل مرحلة لها خصائصها المنفردة عن سابقتها لكن كان القاسم المشترك في كل هذه المراحل هو أن كل واحدة منها كانت تعد درجة أعلي من سابقتها بمعني بعد الاعتماد علي الصناعات الصغيرة والصناعات غير المعقدة تم التحول للصناعات الثقيلة والكيماوية ثم في مرحلة لاحقة صناعة التكنولوجيا ثم أخيرا الاقتصاد القائم علي المعرفة. لقد مرت كوريا بعدة صعاب اقتصادية كانت تعد اختبارات تحد لديمومة النمو الاقتصادي وكان دائما يصاحب هذه الصعاب أمران التفاف الشعب وراء الإدارة مهما اختلفوا معها سياسيا وسياسة أمريكية تساعد ولو بالسلب، أي بعدم الممانعة مثل السياسات النقدية التي تتبعها كوريا ويتم فيها تخفيض القيمة النقدية للعملة مع بعض السياسات المالية الأخري كالذي تم اتباعها في أزمة ١٩٩٧ الشهيرة.
لقد بدأت كوريا وضع لبنات الديمقراطية الحقيقية بعد تأسيس اقتصاد فعال ومؤسسات وطنية ذات كفاءة فتلك البداية كانت في عام ١٩٨٧ بعد أن تم اختيار الرئيس لأول مرة بالاقتراع العام المباشر، أي بعد أكثر من ربع قرن من البناء والتدعيم للاقتصاد ومؤسسات الدولة.