يخطيء من يتصور أن العلاقات الدولية تقوم فقط علي المصالح، بل تمتد إلي العواطف أيضاً من زاوية الانتماء إلي اقليم معين أو حضارة معينة أو ثقافة معينة أو لغة وتاريخ مشترك وغير ذلك، ومن ثم فإن المصالح لا تقتصر علي الجوانب الاقتصادية فحسب، بل علي جوانب سياسية بل ان أفضل المصالح الاقتصادية هي التي تتحقق علي خلفية الرؤي السياسية السابقة، فتتحقق المصالح السياسية والاقتصادية معاً علي مستوي الدول.
ولا شك أن في إعادة مصر لهيكلة سياستها الخارجية، ووقف استمرار الارتماء في حضن أمريكا وأوروبا وطابورهما الخامس وفي مقدمته جماعة الإخوان الإرهابية، كان واجبا وحتمياً علي مصر «السيسي»، أن تعيد بناء علاقتها بالشرق وتتجه ناحيته تحقيقاً لأقصي درجة من المنافع سياسياً واقتصادياً فضلاً عن ذلك القبول المعنوي للتعامل مع الشرق صاحب الحضارة والقاسم المشترك مع الحضارة المصرية العربية الأصيلة ذات العمق التاريخي الكبير، فالشرق يشترك مع مصر في حضارتها وقريب من ثقافتها وبالتالي فإن التعامل يصبح سهلاً وميسوراً هل نتذكر عندما فكر الزعيم جمال عبدالناصر في بناء عدم الانحياز، كيف ومن أين انطلقت؟ كانت من «باندونج» في اندونيسيا، بحضور ثلاثة من الزعماء (عبدالناصر - سوكارنو - تيتو) لتكون أولي محطات عدم الانحياز التي أعلن عن تأسيسها عام ١٩٦١م، انها آسيا الشرق التي كانت نقطة انطلاق الدور المصري القيادي اقليمياً ودولياً ومازال الرصيد الاستراتيجي لهذا الدور قائماً ويمثل مرجعية للعمل في ضوء الظروف والتحولات التي تشهدها المنطقة، ويشهدها العالم بأسره، مع العودة لنظام ثنائي القطبية.
وفي جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي الثانية لآسيا منذ توليه الرئاسة في يونيو ٢٠١٤، حيث زار ثلاث دول ختمها بكوريا الجنوبية وسبقها زيارته لليابان تلاحظ الإعداد الجيد لهذه الزيارات، وأن الجوانب الاقتصادية لا تحكمها التعاملات النفعية فقط إلا في اطار الرؤية السياسية بأهمية الشرق في المشهد المصري وسياسة مصر الخارجية فمصر تحتاج إلي حضور شرقي في مواجهة حضور غربي سابق، تحقق من خلال توازن في علاقات مصر الخارجية، تستعيد في اطاره الدور القيادي المصري اقليمياً ودولياً، بعبارة أخري فإن مصر تسعي إلي محاولة فتح الأبواب التي كانت مغلقة لتصبح مساحة حرية حركة مصر الخارجية أكبر، ومن ثم فإن الشرق بالنسبة لمصر هو بوابة العبور لدور اقليمي لمصر فعال وقوي.
وقد حققت هذه الزيارات هذا الهدف حتي الآن، فقد بدأت الزيارات بروسيا، والصين وهما أكبر دولتين في آسيا ولهما مقعدان في مجلس الأمن يستطيعان إعاقة كل ما كان ترسمه أمريكا والغرب لمصر بعد ٣٠ يونيو 2013م.. ثم انطلقت الزيارات لتشمل الهند والعديد من الدول الآسيوية، وآخرها زيارة اليابان وكوريا، وهما محطتان هامتان للغاية، خاصة أن هاتين الدولتين حققتا طفرات اقتصادية، ضخمة وقريبتان من السياسة الأمريكية لكن لهما مساحة في حرية الحركة علي المستوي الاقتصادي، وقد أكدت هذه الزيارات الكبيرة صدور التوجه المصري شرقاً، وفتحت المجال لدور قيادي جديد لمصر، ولا شك أن حنين العلاقات ومحاولة استعادة الماضي في دعم هذه العلاقات لهو أمر محمود يصب في الصالح العام، لكل الأطراف «مصر والدول الآسيوية» ولعل فيما أظهره أ.ياسر رزق في مقال تغطية وتحليل لهذه الزيارة أن هذا رجل يعشق بلاده «السيسي» خير تعبير وقد يستلزم بالتوازي مع هذه الزيارات الخارجية للرئيس السيسي خاصة تجاه الشرق الآسيوي، والتي ندعو إلي استمرارها وعدم تغييب أي طرف فاعل اقليمياً ودولياً كإيران مثلاً، ضمن مبادرات قوية، ضرورة إحداث تحولات داخلية علي المستوي الاقتصادي، مثل عودة دور للدولة واسع وقوي، ومواجهة حقيقية للفساد ورموز النظامين السابقين «مبارك - الإخوان».
ومازال الحوار متصلا...