في أول زيارة قام بها خالد مشعل رئيس حماس للقاهرة، قال لي إنه لن يذهب لمقر جماعة «الإخوان» وكان يومها مازال في حي المنيل، رغم الضغوط التي تمارس عليه. وأنه ملتزم ببرنامج الزيارة الذي تم الاتفاق عليه مع المخابرات المصرية ورئيسها - وقتذاك- اللواء عمر سليمان رحمه الله.
نفس الموقف تكرر من إسماعيل هنية حين جاء للقاهرة بعد ذلك، وسمعت منه نفس الحديث عن حرص «حماس»، علي علاقتها بمصر، وعلي عدم التورط في أي صراعات داخلية في أي دولة عربية، وعلي رفض أن تكون جزءا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان حتي وإن سارت علي نفس النهج في الدعوة.
ثم كان الانقلاب بعد ذلك، واعلان «حماس»، انها الذراع العسكرية لجماعة «الإخوان»، بكل ما يعنيه ذلك من تورط في القضايا الداخلية لمصر وللدول العربية علي حساب القضية الفلسطينية، ولحساب أعداء العرب والإسلام!!
كان ذلك قبل ثورة يناير، وقبل أن تتورط «حماس»، فيما تورطت فيه جماعة «الإخوان»، التي تآمرت علي الثورة حتي وصلت إلي الحكم، وتحالفت مع كل أعداء مصر لكي تقودها إلي الفوضي، ولكي تجعل سيناء موطنا للإرهاب، ولكي تقود المنطقة إلي الفوضي المدمرة التي استطاعت مصر النجاة منها بثورة شعبها ودعم جيشها في ٣٠ يونيو.
ما حدث بعد ذلك معروف. وخيانة «الإخوان»، اصبحت مكشوفة. والإرهاب مازال يحاول في سيناء. وما يجري في قطاع غزة ليس بعيدا عن المشهد. ومن هنا أهمية التأكيد المصري الدائم علي الالتزام الأساسي لمصر «شعبا وحكما»، بالقضية الفلسطينية مهما كان الخلاف مع أطراف رئيسية تتوجه إليها سهام الاتهامات بأنها تعمل ضد مصر. ومن هنا أيضا كانت موافقة مصر علي استقبال وفد «حماس»، حتي بعد أن وجهت النيابة العامة الاتهامات إليها «أو إلي بعض تنظيماتها»، بالمشاركة في اغتيال النائب العام السابق، أو في العديد من الجرائم التي ارتكبت في حق مصر.
ومع ذلك كله ينبغي التوقف أمام ما نقلته «الشرق الأوسط»، السعودية من غزة بالأمس حول اجراءات تمت في طريق إزالة الارتباط بين «حماس»، و«الإخوان» حيث قامت السلطات في غزة بإزالة شعارات «الإخوان»، وصور حسن البنا والمخلوع مرسي وحكام قطر وتركيا، ووضع شعارات تؤكد أن المقاومة لا توجه سلاحها إلي الخارج، وأن البوصلة التي تهتدي بها هي تحرير فلسطين.
ولاشك أن لذلك دلالاته، لكن «حماس»، تدرك أن الترجمة الصحيحة لذلك هي فتح صفحة جديدة مع مصر. وأن ذلك لن يكون إلا بالتعاون الكامل في التحقيقات التي تمس الأمن المصري، ومنع التواصل بين الإرهابيين في سيناء، وغزة، وضبط الحدود ومراقبة الأنفاق، وقطع العلاقة التنظيمية مع «الإخوان».
أعرف أن ذلك كله هو موضع صراع داخل «حماس»، وأن كل من تورط سيحاول الاحتفاظ بمواقعه.. بدءا من المال القطري والدعم التركي وحتي المحاولات الإيرانية.
وقد يكون الصراع بين القيادة السياسية لحماس، وبين الجناح العسكري «كتائب القسام»، وراء ما حدث، وما يحدث.. لكن الحقيقة الأساسية التي تحكم الموقف هي أن مصر لن تتساهل علي الاطلاق فيما يمس أمنها، ولن تفرط مطلقا في حقوق فلسطين.. فهل تعي «حماس»، ذلك، وتصحح كل ما ارتكبته من اخطاء في حق مصر وفلسطين.. نتمني ذلك بكل تأكيد!!